ورطتنا كبيرة... وخيوط اللعبة «افلتت» من أيدينا جميعا... وحتى من بين أيادي من لعب لعبة الطوائف والقبائل والعوائل والعزف على وتر الموروث العقائدي... وابتدعها، وأصبح إما متفرجاً وإما عابثا يعيش لمصالحه يوما بيوم.
ظاهرة جديدة أصبحت ملفتة للنظر في الدواوين في الموسم الانتخابي الحالي، فالناس ليسوا كما جرت العادة في هذه المناسبة يتداولون الأسماء المتوقع أن تخوض الانتخابات وحظوظها في الفوز، وتشريح كتل الأصوات حسب المجاميع والتيارات الموجودة في دوائرهم، كما أن برامج وتصريحات المرشحين لم تعد تشغلهم إلا بشكل بسيط، واحتل الصدارة، بدلاً من ذلك، موضوع حل الأزمة السياسية وشلل آلية عمل المؤسسات الدستورية، وهو القضية الرئيسة التي تنجذب إليها الأغلبية. اليأس تمكّن من الأغلبية، وباتت ترى الانتخابات المقبلة كإعادة لفيلم أبيض وأسود قديم أدمنه جهاز الفيديو، و«تسحك» شريطه من كثر تشغيله، وأصبحت الانتخابات ونتائجها كأحداث ذلك الفيلم المكرر، لأن عصبيات الناخبين المذهبية والعائلية والقبلية والفئوية هي التي ستحرك الأقلام في أيدي المصوتين، وستأتي في مجلس 2009 بنفس الوجوه، وإن تغيرت كل الأسماء، فالثقافة الاجتماعية والسلوك العام لن يسمحا لأحد بأن يخرج عما هو موجود ومتداول من فكر وممارسات. في أحد الدواوين، وبعد أن اشتكى أغلبية رواده بمرارة أوضاع البلد، يطرح أحدهم فكرة الأحزاب وحكومة الأغلبية البرلمانية كنهج مخلِّص لورطتنا الكويتية، فيرد عليه آخر: ماذا لو فاز السلف؟ فهل سنكون تحت رحمة حكم طالباني سيؤدي بلا شك إلى مواجهات مذهبية ويهدم الدولة المدنية؟ أم نعيد تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية فتكون الانتخابات التي يفوزون بها هي الأولى والأخيرة؟ وماذا لو فازت قبيلة أو اثنتان متحالفتان، وشُكِّلت الحكومة فهل نعيد تجربة قبيلتي «الهوتو» و«التوتسي» وتفريعاتهما الدموية في رواندا وبورندي؟! الجميع بعد التساؤلات ينخرط في النقاش، فمن يطلب إصدار قوانين لحسم علاقة الدين والطائفة والقبيلة بالدولة قبل التوجه إلى الحياة الحزبية والحكومية البرلمانية الكاملة... فيرد عليه ملتزم دينياً: مجتمعنا محافظ وجزء كبير منه عشائري قبلي ولا يمكن فصل الدولة عن معتقداتهم ومرجعياتهم الاجتماعية... فيقترح متحفز آخر للنقاش قائلا: لماذا لا نقر نظام المجلسين حتى يكون هناك محكمون من ذوي الخبرة والحكمة والكفاءة... فيحبط جاره في «ربعة» الديوانية اقتراحه بعصبية: هذا ما تريده الحكومة والمتحالفون معها من «الحيتان» لتفريغ الدستور من محتواه، وحرماننا من المكتسبات الشعبية والمشاركة في الحكم، وسرقة ثروة الكويت بغياب ممثلي الأمة... وعندها يضيع الحوار ويصبح الجميع محتدين، ويتكلمون في وقت واحد دون أن يُسمِع أحدهم الآخر! ولكن «بوجابر» مالك مفتاح مدينة ميونخ الألمانية من كثرة سفراته إلى هذه المدينة على مدار العام وبقائه فيها، وصاحب «القفشات» والمداخلات ذات المغزى العميق يقاطع المتجادلين في الديوانية قائلاً: كم سعر برميل النفط الكويتي اليوم؟ فيسكت الجميع ويلتفتون صوبه فيكمل: يا شباب: «الشق عود»... وورطتنا كبيرة... وخيوط اللعبة «افلتت» من أيدينا جميعا... وحتى من بين أيادي من لعب لعبة الطوائف والقبائل والعوائل والعزف على وتر الموروث العقائدي... وابتدعها، وأصبح حاله حالنا. نعم، أصبح (من لعب) إما متفرجاً وإما عابثا يعيش لمصالحه يوما بيوم... وإذا لم تغيرنا كارثة الغزو والاحتلال فلا رجاء في أن نستمع إلى بعضنا إلا بجفاف حقل برقان، وهو الحدث الذي سيجمعنا لأننا سنذهب بعده إلى المجهول، الذي ينتظرنا دون أن نستعد لهُ، وعندها سينفض «سيرك» المصالح في البلد، وسنستمع إلى بعضنا لنخرج من ورطتنا، ولكن بعد فوات الأوان. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
ورطتنا كبيرة... وخيوط اللعبة افلتت
27-03-2009