إذا كان من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التأثير الإيجابي، فإن المعطيات المسلمة لهذا النمط من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع تعددي ومتنوع المذاهب والطوائف تصب لا محالة في تفجير بؤر الفتن والبغضاء والتعصب والاستقطابات الحادة بمختلف صورها وأشكالها.

Ad

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من العبادات التي يحرص عليها الإسلام، والتي تجسد معاني التواصي المجتمعي ونشر ثقافة وسلوكيات المثل العليا والأخلاقيات العالمية، بل إن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم من عباد الله الذين امتدحهم في كتابه الكريم.

وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضوابط وأحكام شرعية ومبانٍ فقهية واشتراطات نظامية لابد من توافرها حتى تتحقق الأهداف النبيلة لهذا المطلب، كما يجب أن يتحلى القائمون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بخصال تجعل منهم القدرة المؤهلة والمقبولة اجتماعياً لممارسة هذا الدور.

وأخيراً ينبغي أن تكون مفاهيم المعروف وتعريفات المنكر موحدة ومتفق عليها شرعاً وفكراً وسلوكاً وعرفاً حتى تؤتي ثمارها على الوجه الصحيح.

وهذه جملة من المقدمات التي نترك تفاصيلها لأهل الاختصاص والعلم في ما يخص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا يقفز علينا بين الحين والآخر من ينصّبون أنفسهم أوصياء وقيمين على رقاب المجتمع ويتسلقون على هذا الشعار المقدس وفق قناعاتهم الخاصة، وفهمهم الضيق للدين، وفي ظل دولة القانون وتوافر أركان النظام العام والمؤسسات الدستورية الكفيلة بممارسة مثل هذه المسؤولية.

فملاحقة الناس في الشوارع وتعريض حياتهم للتهديد أو الحط من كرامتهم انتهاك خطير للدستور الذي لا يعطي مثل هذا الحق حتى للحكومة إلا في حدود القانون، ولا يجيز تعريض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة للكرامة (المادة 31).

وبالمقابل سطر الدستور في مواده من 34 حتى 39 وفي المادتين 43 و44 جملة من الحريات الشخصية والعامة في الرأي والمعتقد والتصرف والتراسل والتجمع وتشكيل الجمعيات أيضاً في إطار القانون والنظام العام.

فكيف يجرؤ البعض على نسف هذه القيم وفرض دولتهم داخل دولة القانون، وباسم الدين والمتاجرة السياسية؟ وكيف تقبل الحكومة والمؤسسات الدستورية وأجهزة القانون بتحويل البلاد إلى حالة من الفوضى وحكم قراقوش دونما رادع أو محاسبة؟!

وأي معروف وأي منكر سوف يتبنى مثل هذه الجماعات التي عرفت بتطرفها أصلاً وتشددها المفرط في إطار فكري وعقائدي ضيق ومحدود يشذ عن عموم الفكر والثقافة والفقه والعقيدة الإسلامية الممتدة من المحيط إلى الخليج؟ بل كيف تكون الحال إذا كانت اجتهادات مثل هذه الجماعات قد خلطت أو اختلطت عليها الأمور بحيث أصبح معروفها منكراً ومنكرها معروفاً؟ بل قد يصل بها المقام إلى اعتبار إزهاق الأرواح البريئة معروفاً والإرهاب جهاداً والعلم والثقافة والحضارة منكراً!

وإذا كان من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التأثير الإيجابي، فإن المعطيات المسلمة لهذا النمط من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع تعددي ومتنوع المذاهب والطوائف تصب لا محالة في تفجير بؤر الفتن والبغضاء والتعصب والاستقطابات الحادة بمختلف صورها وأشكالها، ومثل مجتمعنا المتنوع فإن منطق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يجب أن يسود يتمثل في بث روح التسامح والتآخي والتعاون وتطبيق القانون، وليس الفرقة والحقد والكراهية والبغضاء!