Ad

مع استمرار خفض الفائدة على الدولار في الوقت الذي يستمر فيه التضخم في البلدان العربية، فقد أصبح سعر الفائدة المرتبطة بالدولار غير مجز ولا يشجع على الادخار.

انعكست أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة على مجمل الاقتصاد الأميركي، بل الأكثر من ذلك امتداد تأثيراتها إلى إسبانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وإلى حد ما بريطانيا، فضلاً عن انعكاسها أيضاً على معدلات أسعار الفائدة وقيمة الدولار كعملة سائدة في سوق العملات الدولية.

لقد تحوّل الاقتصاد الأميركي خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش (2000- 2008) من اقتصاد يحقق معدلات نمو عالية ويحصل على فوائض مالية كبيرة وعملة قوية نسبياً، إلى حالة نمو متدنية، بل أصبح يعاني اختلالات إضافة إلى عجزٍ مالي، ناهيكم عن تدهور سعر الدولار.

لقد كان للمغامرات العسكرية، لاسيما غزو أفغانستان واحتلال العراق دور كبير في زيادة حجم الإنفاق، الذي وصل حسب بعض التقديرات إلى 3 تريليونات دولار، الأمر الذي حوّل الفوائض المالية إلى عجوزات ومديونيات، ناهيكم عن الاختلالات، وهو ما دفع إلى تخفيض قيمة العملة لمعالجة مشكلة العجز وارتفاع المديونية، ومنذ عام بدأت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة حتى الآن، دافعة بالاقتصاد الأميركي إلى المزيد من التدهور.

تعود أزمة الرهن العقاري إلى سنوات خلت، عندما حاول البنك المركزي الأميركي تنشيط الاقتصاد من خلال خفض سعر الفائدة، الأمر الذي شجع المواطنين على الاقتراض. ولقد لعبت البنوك دوراً كبيراً في تسهيل مهمة تشجيع الأفراد على الاقتراض، لاسيما في مجال شراء المنازل ودور السكن الخاصة، وقد سبب عدم التأكد من القدرة على السداد، لا سيما الرهن العقاري لعدم كفايته لضمان تسديد التسهيلات أزمة كبيرة، وقد أعادت البنوك هيكلة القروض على شكل سندات سعت إلى تسويقها بفوائد مجزية، حتى تفجرت الأزمة، خصوصاً عندما ارتفعت أسعار الفائدة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع تكاليف تسديد القروض، حيث بدأت حالات العجز عن السداد، واضطرت البنوك إلى بيع مساكن الأفراد العاجزين عن التسديد، لتغطية الخسائر، وقد ساهم هذا الأمر في زيادة العرض فانخفضت أسعار المنازل وارتفعت خسائر البنوك، لاسيما التي منحت قروضاً عقارية واسعة، مما خلق أزمة سيولة مالية وارتفاع تكاليف الاقتراض.

وكانت أهم البنوك قد تورطت في ذلك مثل؛ «سيتي بنك» و«ميريل ليينش»، واضطرت إلى إعلان خسائرها التي بلغت مليارات الدولارات، الأمر الذي عظّم من أزمة الاقتصاد الأميركي، حيث تدخلت السلطات هناك لمنع الانهيار وللتخفيف من أعباء الأزمة. وكان لهذا الأمر علاقة وطيدة بالارتفاع الكبير والمتسارع في أسعار موارد الطاقة وأسعار المواد الأولية والمواد الغذائية، لاسيما مع تعاظم أهمية اقتصادات البلدان النامية.

لقد ارتفع سعر النفط منذ عام 2003 بوتيرة متصاعدة، وزادت في الوقت نفسه أسعار المواد الأولية الداخلة في الصناعة أو البناء وكذلك الحديد والألمنيوم والنحاس والأسمنت وغيره، خصوصاً مع ارتفاع الطلب عليها، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية مثل الأرز والقمح والذرة، لاسيما بفعل ظروف مناخية غير مواتية واستنفاد المساحات الزراعية القابلة للزراعة في بعض المناطق.

ولعل ارتفاع الأسعار لم يكن سببه المبيّن في أعلاه فحسب، بل يعود إلى محاولات بعض الدول الصناعية تحويل استخدام بعض هذه المواد مثل الذرة إلى وقود حيوي بديل للبترول،أيضاً، وهو ما أدى إلى نقصان كبير في المواد المعروضة، وإذا ما ربطنا ما ذكر بتحسن مستوى المعيشة في كثير من البلدان النامية التي حققت معدلات نمو كبيرة مثل الصين والهند، فإننا نستطيع أن ندرك كيف ساهم ذلك في ارتفاع الأسعار!

لقد انعكست البيئة الاقتصادية الدولية على الاقتصادات العربية، لاسيما في السنوات القليلة الماضية، حيث ازداد الطلب على النفط مما أدى إلى ارتفاع أسعاره ليناهز الـ130 دولاراً للبرميل الواحد، وقد وفّرت هذه التطورات للدول العربية إيرادات مالية هائلة ساهمت في زيادة الإنفاق على الكثير من المشاريع الإنتاجية والعقارية ومشاريع مرافق البنية الأساسية، وكذلك ساعدت في بناء احتياطات أجنبية مهمة في دول الخليج العربي إضافة إلى مصر والجزائر، وتمكنت من تكوين احتياطات مالية كبيرة، حيث تقدّر اليوم بنحو 30 مليار دولار في مصر، في حين بلغت احتياطات الجزائر ما يزيد على 100 مليار دولار.

تعود مناسبة الحديث عن مسألة الرهن العقاري الى أحد محاور مؤتمر سنوي متخصص دعا إليه مركز الخليج للدراسات في الشارقة (7- 8 مايو 2008) وعقد هذا العام تحت عنوان «العرب في بيئة دولية متغيّرة»، حيث تحدث الخبير الاقتصادي د. جاسم المنّاعي مدير عام ورئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، فأشار إلى جانب إيجابي لأزمة الرهن العقاري الأميركي على البلدان العربية، خصوصاً بسعي بعضها للتخلص من المديونية أو انخفاضها إلى مستويات كبيرة، وإلى ارتفاع معدلات النمو التي بلغت 10% في الخليج سنوياً و7% في مصر، وازدياد حجم التجارة البينية إلى 15% سنوياً.

ويجدر الإشارة إلى أن صناديق الثروات السيادية في الخارج التي تتمتع بضمانة الأموال، أصبحت عنصراً مؤثراً في الدول الصناعية ذاتها، ناهيكم عن توجّه بعض الدول الآسيوية إلى تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول النامية ومنها الدول العربية في مجال النفط ومنتجات البتروكيماويات والألمنيوم وزيادة الاتصالات والتعاون التجاري والسياحي والخدمي.

إن أهم التحديات التي تواجه العالم العربي من الناحية الاقتصادية تتلخص في مشكلة التضخم التي تفوق مثيلاتها عالمياً والذي يتراوح بين 14-10% في حين تعاني أوروبا وأميركا تضخماً محدوداً 4-3%، وينعكس ذلك في أسعار المحروقات وأسعار العقارات ومواد البناء والمواد الغذائية، لمواجهة تعاظم سعر النفط ومشتقاته وارتفاع الأسعار العالمية.

وقد زاد من تعقيد هذه المشكلة وجود سيولة عالية ورغبة كبيرة في الإنفاق بسبب ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، الأمر الذي أدى إلى اشتعال الأسعار على نحو غير مسبوق، وإذا ما أخذنا ارتباط عملات البلدان العربية بالدولار الذي انخفض كثيراً، سنلاحظ ضعف القدرة الشرائية لهذه العملات، وقد تأثرت البنوك إلى حد ما بأزمة الرهن العقاري، في ضوء تداعيات أزمة الرهن العقاري الأميركية على العالم العربي، حيث انعكست سلباً على اقتصادات البلدان العربية، لاسيما بعد اضطرار أميركا إلى تخفيض سعر الفائدة للتخفيف من الأزمة وتجنب الركود، ومع استمرار خفض الفائدة على الدولار في الوقت الذي يستمر فيه التضخم في البلدان العربية، فقد أصبح سعر الفائدة المرتبطة بالدولار غير مجز ولا يشجع على الادخار.

* كاتب ومفكر عربي