الإعلام بحر من المعلومات والمواقف والآراء، ولا شك أنها تجمع المتناقضات والمتباينات، ومادامت الماكينة الإعلامية من صنيعة البشر وإدارتهم، وفي الوقت نفسه، وسيلة للوصول إلى عقول البشر وقلوبهم، فلا يمكن أن نرسم لهذه الآلة أي حدود أو خطوط أو قيود، ومادامت البشرية تحمل بين جنباتها مختلف أنواع الفكر والمصالح والرغبات والصراعات والخلافات فإن الإعلام هو نتاج طبيعي لمثل هذا الموزاييك المعقد.

Ad

ومن هنا فإن فرز الإعلام وتصنيفه بالفاسد والصالح أو الصادق والكاذب مسألتان نسبيتان تقاس بهما كل أشكال السلوك البشري وممارسات الإنسان اليومية، فما يعتبره البعض إعلاماً فاسداً قد يكون في نظر الآخرين مثالاً للمصداقية ومنبراً للحقيقة، وعلى النقيض تماماً فإن أكثر وسائل الإعلام حيادية وموضوعية قد تكون في نظر الآخرين مرآة للكذب والنفاق، وطالما كانت الجدلية سمة طبيعية في وجود الناس، فإن طرق التعبير عن هذه الجدلية لن تتوقف ولن تنتهي.

ولهذا، فإن عنوان الرأي والرأي الآخر دائماً يكون البوابة الرئيسة للإعلام، خصوصاً في ظل الثورة المعلوماتية الممتدة عبر العالم، فالقنوات الفضائية والإنترنت والصحف التقليدية عبارة عن قائمة طويلة من الخيارات المتاحة يُقبل عليها كل منا بمحض إرادته بغض النظر أعجبته المادة أم أزعجته، صحيحة كانت في رأيه أم كاذبة، تحقق له مصلحة أو منفعة أو سمعة أم تسبب له الضرر والأذى والخسارة.

والطفرة الإعلامية التي نشهدها اليوم في الكويت هي صنيعة التشريع القانوني وتجسيد لمواد الدستور وإضافة جديدة للديمقراطية، وليس من المستغرب في مجتمع متنوع أساساً وزادته الانقسامات السياسية والفكرية والمصالح الاقتصادية تشتيتاً وفرقة أن تزخر فيه وسائل الإعلام بكل أنواعه، خصوصا في ظل التكاليف المالية الميسورة في بلد غني، ليعبر الكل من خلالها عن قناعاته وتصفية حساباته مع الآخرين بما أوتي من قدرة.

وانطلاقاً من قاعدة «الألم على قدر الصراخ»، فما من برنامج ينتقد من خلاله شخصيات أو سلوكيات أو مظاهر إلا كان مستوى النقد وحجمه وعمقه يساوي درجة الألم التي يعانيها صاحب الوسيلة الإعلامية من تلك الشخصيات والسلوكيات، وهذه معادلة طبيعية يجب أن يتقبلها الجميع، ومن يضيق صدره أو لا يستطيع أن يتحمل مثل هذا الألم المتبادل فهو الخاسر في النهاية لا محالة!

وحتى أسلوب نقد الإعلام ومحاولة تقييمه ومراجعته في مجلس الأمة كما حدث في الجلسة الأخيرة لا يتعدى كونه وسيلة إعلامية للنواب أنفسهم عبروا خلالها عن رأيهم ومواقفهم من بعض الصحف والقنوات الفضائية بكل حرية وبلا حدود أو قيود.

وفي هذا البحر المفتوح من الصراع يجب ألا يزعل الجميع، خصوصاً النواب والوزراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال وأصحاب النفوذ من النقد الإعلامي لسببين رئيسين: الأول، أنهم وضعوا أنفسهم تحت الأضواء، ويجب أن يتحملوا نتائج مواقفهم وآرائهم، والسبب الثاني، أن الفرز الإعلامي بما يحمل من نقد وتجريح لا يتعدى سوى تعميق مشاعر الخصوم والمؤيدين لهم على حد سواء، وهي مشاعر ومواقف مسبقة تجاههم أصلاً!

وصحيح أن بحر إعلامنا الجديد متلاطم الأمواج ويسبب يوماً بعد يوم المزيد من تعميق الجراح وتفتيت المجتمع وتأليب بعضه على بعضه الآخر، ولكن تظل هذه مرحلة من المراهقة قد يطول عمرها أو يقصر تبعاً لمستوى النضج في أوساط الرأي العام أو بعدما يصل الجميع إلى قناعة مشتركة بأنه لا غالب ولا مغلوب في عالم الإعلام!