السيد الرئيس أوباما:
مرحباً بك في مصر. ولكن قبل أن تبدأ جدول أعمالك الذي لابد أنه مزدحم في القاهرة، أنصحك بزيارة سفارتك في جاردن سيتي، هذه السفارة التي أغلقت من حولها معظم الشوارع لتصبح رمزاً للكراهية وعقلية الحصار. لقد كنت في القاهرة منذ أسابيع ومررت إلى جوار السفارة الأميركية في طريقي إلى مكان آخر بعدها، وما إن اقتربت من المنطقة المحيطة بها حتى طلب مني عنصر أمن إثبات الشخصية وكأنني أمر في منطقة عسكرية، سألته عن سبب التفتيش والأسئلة الحادة، فقال: أنت تمر بشارع السفارة الأميركية. ساعتها، لعنت السفارة ومَن فيها، ورأيت في هذا استفزازاً لمشاعر المواطنين المصريين الذين لا يستطيعون التجول في شوارع معينة بعاصمتهم لأن هناك سفارة لأميركا تتقاطع مع هذه الشوارع. فحتى إن كان هناك مَن يرى في أميركا ولو شيئاً وحيداً يبعث على الأمل، فما إن يمر بتعقيدات الشوارع والإجراءات الأمنية المتشددة حول سفارتها في القاهرة، حتى «يلعن أميركا واللي جابوا أميركا». ولو كانت الولايات المتحدة تعتقد فعلا بأن المصريين يكرهونها لدرجة تدفعها إلى بناء قلعة في القاهرة تحت مسمى سفارة، فالسؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذا الافتراض هو: لماذا الإصرار إذن على وجود سفارة في بلد يكره أميركا بهذا الحجم؟ ظني أن المصريين لا يكرهون الأميركيين ولا يكرهون أي شعب آخر، دعك عن حملات التحريض التي تقوم بها مجموعات لبناء حاجز الكراهية هذا، الشعب المصري لا يميل بطبيعته إلى الكراهية أو رفض الآخر المختلف، ولكن هناك من الدبلوماسيين والعاملين الأميركيين في مصر ممن تخصصوا في صناعة الكراهية بدافع الأمن والخوف أحياناً، وبدوافع عنصرية أحياناً أخرى. وإن كان لابد أن تبقى السفارة الأميركية في القاهرة على شكلها البغيض الحالي، فلتنقل إلى الصحراء حتى لا يراها الناس، فهذا السلوك القائم على الشك والريبة لا يبني علاقات طيبة بين شعوب البشر، وانما يؤصل للتنافر والكراهية.ورغم أن أهم القيم الأساسية التي قامت عليها الولايات المتحدة، هي أن كل إنسان في أميركا متساو مع أخيه الإنسان بغض النظر عن عرقه ودينه وجنسه وحسبه ونسبه، إلا أن ما تمارسه المؤسسات الأميركية في مصر هو مخالف تماما لكل ما هو أميركي من قيم ومثل. فالمعهد الثقافي الأميركي، مثلا، غير مفتوح لعموم المصريين، كما أن مكتبة الجامعة الأميركية لا يدخلها إلا أبناء هذه الجامعة، ومن أراد أن يدخلها من «الغلابة» المصريين لابد أن يدفع من الدولارات ما لا يستطيع دفعه. أذكر أنني حاولت الذهاب إلى مكتبة الجامعة الأميركية عام 1982، وطلب مني أن أدفع ثلاثين دولاراً كرسم اشتراك، وكان هذا المبلغ يومها يساوي مرتبي لمدة شهرين من العمل. من يومها وحتى الآن، لم تطأ قدمي الجامعة الأميركية. ولو كانت هذه الجامعة تعمل بالقوانين نفسها التي تعمل بها في القاهرة، وليكن في واشنطن أو أي مدينة أميركية، لرفعت ضدها العديد من القضايا لممارسة أشكال التمييز كافة ولأفلست وأغلقت أبوابها.السيد الرئيس أوباما:أنت محام تعلَّم وعلَّم القانون ومارسه قبل أن يكون رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وأنت رجل ملون قادر بحساسية المنتمين إلى الأقليات، أن تشم رائحة السلوك العنصري البغيض من أميال. لذا أقول لك لو زرت في رحلتك إلى القاهرة، المؤسسات الأميركية في مصر واطلعت على ممارساتها، لأدركت على الفور أنها ممارسات على درجة عالية من العنصرية والتمييز الطبقي مما يحرض على الكراهية لا على المحبة. وقد أعطيتك مثالاً شخصياً عندما حاولت دخول مكتبة الجامعة الأميركية في القاهرة. عشت في أميركا لأكثر من عشرين عاماً، درست وعملت في كبريات جامعاتها، وأعرف أميركا جيداً، ولكن أميركا التي في القاهرة هي عكس كل شيء أميركي عرفته. أميركا القاهرة هي أميركا النخب الفاسدة وأميركا رجال الأعمال وأميركا العنصرية، أما أميركا التي عرفتها على الأرض الأميركية فهي أميركا المكافحين الذين يريدون تحقيق حلمهم في الحياة الكريمة. هذه هي العبارة المكتوبة على مدخل «إليس أيلاند»، الجزيرة التي يصل إليها المهاجرون، لتكون أول ما يقرؤونه، ولتكون الوعد الذي قطعته بتحقيق حلم كل إنسان طموح يحترم قوانينها. فلماذا تكون أميركا القاهرة هي رمز الطبقية والعنصرية، بينما أميركا الداخل يعيش كل مواطنيها تحت سقف العدالة والمساواة وسيادة القانون؟السيد الرئيس أوباما:خطابك للعالم الإسلامي الذي يتركز حول القضايا الكبرى، يجب ألا يغفل الممارسات الصغرى للمؤسسات الأميركية، الثقافية منها والدبلوماسية، العاملة في هذا العالم الإسلامي. فمن المعيب أن تكون سفارات الولايات المتحدة وكأنها بروج مشيَّدة وقلاع محصنة ضد شعوب الدول التي تستضيفها. ومن المعيب أيضا أن تكون الجامعة الأميركية في القاهرة قائمة على التمييز الطبقي والمناطقي. أمامك فرصة نادرة لتغيير صورة أميركا في العالم الإسلامي... ولتبدأ مثلاً من السفارة الأميركية في القاهرة، إما أن تغلقها تماما وإما أن تنقلها إلى الصحراء. وتقبل مني كل الاحترام.* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS
مقالات
أوباما: اقفلها أو انقلها!
27-05-2009