القروض... ومسائل لا تحتمل!
أكتب هذا المقال بعد ساعة من بداية جلسة مجلس الأمة (أمس) حيث انصرفتُ لمتابعة أحداثها، ولا أدري ماذا سيتمخض عنها من قرارات، لكنني أتمنى أن ينزل هذا المقال صباح الأربعاء، وقد سقطت عن كاهل مواطني هذا البلد تلال الهم والغم والإذلال، التي خلفتها القروض، فالدين كما قيل «همٌ في الليل وذلٌ في النهار».حادثتان مرتا بي خلال هذا العام، الأولى مؤلمة، والثانية «مفجعة»، جعلتاني أعيد النظر ملياً في هذه القضية التي تحولت إلى «كارثة وطنية» بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، في ظل عجز رسمي وشعبي عن إيجاد حلول لها، سوى تلك التي تدخل في نطاق الترقيع ليس إلا.
كنت بصدد إعداد تقرير تلفزيوني قبل ثمانية أشهر تقريباً عن المطالب النيابية والشعبية بإسقاط القروض، وقتها أرشدني أحد الإخوان في اللجنة الشعبية إلى مواطنة تُدعى «أم فهد» تسكن شقة في إحدى المناطق الداخلية مع زوجها المريض وبناتها الأربع. المواطنة متهمة في خمس قضايا مالية وأوامر ضبط وإحضار لتخلفها عن سداد أقساطها، مما حداها إلى ترك وظيفتها بعد أن زارها رجال التنفيذ المدني في مقر عملها أكثر من مرة.شقة المواطنة أشبه بـ«الزريبة»، تخلو من أي مقومات للحياة الكريمة، بعد أن باعت أثاثها في سوق الجمعة للصرف على بناتها وزوجها المريض، لا يوجد في الشقة ما يبهج النفس سوى ورقة علقت في الحائط كتبت عليها أصغر البنات عبارة «حنا عيالك يا بابا صباح»، وضعت بجانب صورة سمو الأمير حفظه الله. لا أدري... هل مازالت «أم فهد» طليقة أم أُلقي القبض عليها وأودعت السجن، لكن الذي أعلمه وتأكدتُ منه لاحقاً، أن العمارة ذات الأدوار السبعة التي توجد فيها «زريبة» المواطنة هي لنائب سابق ووزير حالي يعارض إسقاط القروض وفوائدها.الحادثة الثانية، كانت قبل شهرين تقريباً عندما خرجت من مكتبي وكنت أهمّ بركوب سيارتي، وإذا بسيارة أجرة تستقلها سيدتان تقف بجانبي، في البداية اعتقدت أنهما ستسألان للاستفسار عن مكان أو شارع ما... لكنني فوجئت بإحداهن تناديني بالاسم وأنها تعرفني... وبعيداً عن التفاصيل الدقيقة كانت السيدتان تريدان إثارة قضية القروض وإجراء مقابلة معهما، وأنهما مستعدتان أن تقولا ما لا يمكن قوله، ويصعب تصوره. وبعد نقاش طويل بشأن تداعيات المشكلة على الأسرة الكويتية قالت إحداهن بألم: «لقد بت أبيع شرفي وشرف بنتي الوحيدة لأنقذ نفسي من السجن»... إنها كارثة، لكن الأدهى والأمرّ اعترافها بأن هناك كثيراً من الحالات التي تعرفها لعدد كبير من الكويتيات على شاكلتها للأسباب ذاتها، حسب قولها. السيدة أخذت تتحدث عن تفاصيل وحالات لا أستطيع أن أشرح تفاصيلها، لأن فيها من الإساءة إلى بلدي ما يشيب له الرأس! اعتذرت للسيدتين بأنني لا أستطيع أن أثير هذا الموضوع في القناة التي أعمل فيها، ونصحتهما باللجوء إلى القنوات المحلية التي ستهتم أكثر بهذه القضية. وجاء رد السيدة صادما ومؤلماً حين قالت: «إحنا نبي ننشر غسيلنا في الخارج عسا العالم يعرف شنو صاير فينا، ربعنا يخافون من برا ويخافون على سمعتهم وصورتهم أكثر من خوفهم علينا كمواطنين!!».انظروا يا سادة... إنها كارثة وطنية بكل المقاييس، انظروا ماذا حل بأهل الكويت الذين أصبحت طوابيرهم أمام المبرات والجمعيات الخيرية أطول من طوابير الزبائن أمام «كاشير» جمعية تعاونية ليلة نزول الرواتب. لست مروجا هنا للدولة «الرعوية»، لكن الكارثة تتطلب التدخل من كل مسؤول وصاحب قرار في هذا الوطن، بعد أن ساهم تقاعس الدولة ممثلة في مؤسساتها الرسمية، وعلى رأسها البنك المركزي، في تفاقم هذه المشكلة، والوقوف موقف المتفرج.يا حكومة... يا مجلس... يا ناس... يا عالم: أوجدوا حلاً وأنقذوا أهل الكويت، ومن ثم اجلدوا ذاتكم وتقاذفوا المسؤوليات في ما بينكم. فأهل هذا البلد الطيبون أولى بخيرات بلادهم التي باتت توزع هبات يمنة ويسرة، على شعوب وقادة لا يعادلون عندي ولا يوازون «ظفر» أم فهد والسيدة الأخرى، حتى وإن أجبرها الزمن على بيع شرفها.