التأجيل الطويل... سابقة خطيرة

نشر في 26-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 26-11-2008 | 00:00
 د. بدر الديحاني إن تأجيل مناقشة الاستجواب مدداً طويلة، فوق ما تعتريه من شبهات دستورية، يعني ضمناً الإقرار بما جاء في صحيفة الاستجواب، ولكنه يمنح المزيد من الوقت للمستجوب لإعداد ردوده على مادة الاستجواب الذي سيناقش لاحقا.

إذا كنا نتحدث دائما ونعارض محاولات بعض القوى المتنفذة لتعطيل الدستور والانفراد بالقرار السياسي، وهي محاولات سافرة ستؤدي إلى زعزعة الأمن السياسي والاجتماعي، فإننا يجب ألا نغفل المحاولات المستترة أو ما يمكن أن نسميه الانقلاب الناعم على الدستور المتمثل في العمل على تفريغه من محتواه من خلال تجاوز بعض المواد الدستورية كتلك المتعلقة بالحريات العامة والشخصية، أو من خلال التعسف في تفسير بعض المواد الدستورية أو تجاوز تطبيق بعضها باسم الدستور، فضلا عن البحث على بعض «المخارج» اللائحية التي تنسف نصوصا دستورية قائمة.

وآخر مثال على ذلك هو محاولة بعض أعضاء مجلس الأمة تفسير جزء من نص المادة 135 من اللائحة الداخلية للمجلس تفسيراً مطاطياً من أجل تأجيل الاستجواب المقدم لرئيس مجلس الوزراء سنة أو أكثر، مما يشكل نوعا من أنواع الالتفاف أو التنقيح غير المباشر لنص المادة 100 من الدستور التي تعتبر الأصل الذي أتت اللائحة الداخلية لتنظيمه فقط.

وكما هو واضح فإن ذلك، فيما لو أقر (لا نعرف ماذا جرى في جلسة أمس وقت كتابة هذا المقال)، سيعتبر سابقة برلمانية ستؤدي إلى تعطيل أداة دستورية راقية هي الاستجواب أو المساءلة السياسية التي إن فقدها مجلس الأمة فإنه سيتحول إلى مجلس صوري لا يملك أعضاؤه إلا حق النقد فقط، وستكون حالهم كحال الذين يجتمعون كل يوم أحد في (ركن المتحدثين) في حديقة «هايد بارك» اللندنية.

كان من المفروض على من يعارض الاستجواب من الأعضاء أن يقف وقت مناقشته ويبدي تحفظاته، ثم يصوت معارضا بدلا من محاولات الالتفاف على الدستور وتعطيل مواد دستورية واضحة، ولا نعرف حقيقة لماذا الخوف من الاستجواب المقدم حاليا لرئيس مجلس الوزراء، لاسيما أن أغلبية الأعضاء قد أبدت علنا معارضتها له منذ التلويح بتقديمه، وكان بإمكانها التعبير عن هذه المعارضة ضمن المبادئ والقواعد الدستورية التي تحافظ على روح الدستور ونصوصه، وتحد إلى حد كبير من ممارسة دكتاتورية الأغلبية التي تصادر حق الأقلية في التعبير عن وجهة نظرها؟

من ناحية أخرى، فإن تأجيل مناقشة الاستجواب مدداً طويلة، فوق ما تعتريه من شبهات دستورية، يعني ضمناً الإقرار بما جاء في صحيفة الاستجواب، ولكنه يمنح المزيد من الوقت للمستجوب لإعداد ردوده على مادة الاستجواب الذي سيناقش لاحقا، وهذا على عكس ما صرح به علناً أغلب طالبي التأجيل من رفض مادة الاستجواب الحالي.

ثم ماذا لو قدم استجواب آخر لرئيس مجلس الوزراء أو لوزير آخر؟ هل يتم تأجيل الاستجوابات الواحد تلو الآخر للمدد نفسها، ومن ثم تناقش دفعة واحدة؟ أم سيكون هنالك جدولة معينة للاستجوابات قد تتطلب تقديم مناقشة استجواب ما على آخر؟ وكيف ومن سيحدد هذه الجدولة؟

وفى هذه الحالة ألا تعتبر الثقة معلقة بالوزير أو مجموعة الوزراء الموجهة بحقهم استجوابات مؤجلة؟ فهل يصح في نظام ديمقراطي أن تعلق الثقة بوزير ما أو عدد من الوزراء مدة طويلة؟

الجواب هو بالنفي طبعا، فإما أن يحصل الوزير المستجوب على ثقة المجلس فورا ويستمر في أداء أعماله، وإما أن تسحب منه هذه الثقة فيغادر منصبه الوزاري في الحال.

وهنا تتضح لنا فلسفة وروح المواد 100 و101 و102 من الدستور الذي نطالب بالتمسك به وحمايته من العبث، وتحصينه ضد الانقلابات السافر منها والمستتر.

back to top