اليوم بين الماضي والحاضر والمستقبل
من مفاهيم الزمان في القرآن الكريم مع القرن والدهر والوقت والساعة «اليوم». وهو أكثر ألفاظ الزمان حضورا في القرآن الكريم حوالي 475 مرة، معظم الاستعمالات «حوالي 91 %» للإشارة إلى المستقبل، يوم القيامة، اليوم الآخر، يوم الفرقان. وله أوصاف أخرى عديدة مثل: عظيم، كبير، أليم، عصيب، محيط، مشهود... الخ. ويستعمل معرفة وليس نكرة لأنه يوم معلوم في صيغة «اليوم» 349 مرة، ومفردا وليس جمعا لأنه لا يوجد إلا يوم واحد، ويُستعمل أحيانا مضافا إلى ضمير المخاطب الجمع «يومكم» أو الغائب «يومهم» لأنه يتعلق بالخلق وبالبشر وبالناس، يوم البعث والحساب والجزاء، وهو ما يعبر عنه المثل الشعبي «لك يوم يا ظالم».
ويستعمل لفظ «اليوم» أيضا في الماضي لإبلاغ نهاية النبوة واكتمالها باستقلال العقل وحرية الإرادة «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا». ويستعمل في القصص عظة وعبرة للصمود في مواجهة الأعداء «وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ»، ونقد الفرار حين الزحف والخوف منهم «قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ»، وساعة الهزيمة غرورا بالكثرة، واعتمادا على الكم دون الكيف «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ»، والأعمال الخاسرة كرماد عصفت به الريح «أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ». وقد جمع فرعون السحرة في يوم معلوم ليتحدى موسى «فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ»، وفي الأغاني الشعبية يستعمل أيضا اللفظ في الماضي «في يوم من الأيام».ويستعمل لفظ «اليوم» للإشارة إلى الحاضر وعادة ما يكون بمعنى العبادات والأوامر والنواهي، فالعبادات ثابتة ودائمة عبر الزمان «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ»، وكذلك السبت عند اليهود ونقدهم في خرقهم له «إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ» فالحياة أكثر ضرورة وصدقا من النفاق في العبادة. ولا تكلم مريم يوم نذرها أن تصوم «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا». وعند المسلمين يوم الحج الأكبر «وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ» فالحج موعد سنوي.ويوم الفتح لا ينفع إلا إيمان المؤمنين «قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ»، وتكثر استعمالات اللفظ مثنى «يومين»، «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»، أو جمعا «أيام» تعويضا عن أيام الصوم في أيام أخرى «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، فاليوم هنا مرة للتكرار، وذكر الله في أيام معدودات «وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ»، وهو ما يظهر أيضا في الأغاني الوطنية مثل «اليوم اليوم، وليس غدا» لتحرير القدس. وقد ظهرت هذه الأزمان الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل، في الميلاد والموت والبعث في حياة المسيح سواء في صيغة إخبارية «وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا»، أو في صيغة المتكلم «وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا»، فاليوم يعني الأمس واليوم والغد، وهي دورة الحياة الإنسانية منذ قدماء المصريين.ويظهر اللفظ معرفة بالجمع «الأيام» بمعنى التاريخ «وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ»، وهو نفس المعنى في الأغاني الشعبية «ومرت الأيام، ودارت الأيام». وهو نفس المعنى الوارد في التوراة في تعبير «أيام الله»، فالتاريخ هو تراكم الأيام وتداولها باعتبارها قوة وريادة للبشر.وفي صيغة جديدة «يومئذٍ» يُضم لفظ «يوم» مع لفظ «إذن» أي عندما يحين اليوم بعد طول انتظار وهو يوم القيامة «حوالي سبعين مرة» أي الزمان باعتباره توقعا، والتوقع هو توتر بين أبعاد الزمان الثلاثة من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، لذلك يعني اليوم الأمس والغد في آن واحد، لذلك يمكن إعادة بناء الوعي الشعبي بالزمان بدلا من انحيازه للماضي على حساب الحاضر أو المستقبل يمكن إيجاد ميزان التعادل بين هذه الأبعاد الثلاثة حتى تخف العودة إلى الماضي، ويتم التركيز على الحاضر، والإعداد والتخطيط للمستقبل. ولا يعني المستقبل يوم القيامة أو اليوم الآخر أي اليوم البعيد بل الغد أي اليوم القريب. فاليوم البعيد بعد الموت وحين البعث حين ينتهى الأجل، واليوم القريب قبل الموت وفي الحياة متسع للعمل والتصحيح، ولماذا يتفوق علينا الغربي في الإحساس بالزمان وإعطاء الأولوية للمستقبل على الماضي ويعيش الحاضر وينشط فيه دون إغراق في جنة الماضي أو وعود وأحلام المستقبل؟* كاتب ومفكر مصري