أزمة الشعر والشعراء
الصراع الدائر بين الشعراء هذه الأيام يؤكد حقيقة واحدة: ليس الشعر وحده يعيش زمن الاضطراب ولكن الشعراء أيضا! صراع الشعراء يبدو مخجلا لحضرة السيد الشعر، فما يحدث اليوم في القاهرة وما حدث في ندوة الكويت، يدلان بشكل قاطع على أن الشعر والشعراء أيضا يعيشون أزمة النهاية. أزمة الشعر العربي سببها الرئيس هو اختفاء الكثير من منازله القديمة والتصميم المعماري لتلك المنازل، فلم يعُد الشعرهو شعر المديح والهجاء والوصف والرثاء وما صاحب ذلك من مبالغات طائشة وخرافات يجسدها الشاعر العليم المدلل الذي يصف نقاده كذبه وافتراءاته أحيانا بالعذوبة. الشاعر، الاعلامي الأول، في الحرب والسلم، سلم رايته لإعلام الصورة والخبر الكوني الذي لا يكذب ولا يفتري، وانحسار هذا الدور أضاع على هذا الشاعر صررا لا تُعَد ولا تُحصى من الذهب والدراهم، صحيح أن الجوائز التى يتم منحها اليوم للشعراء من حكام المقاطعات تعادل أكياس المال التي يهبها الخليفة لشاعره الأول، لكن تلك الجوائز والمنح ليست أداء لنسيب الشاعر ومديحه، بل محاولة من حكام المقاطعات للبس رداء الخليفة.
تلك أزمة منازل الشعر، أما أزمة التصاميم المعمارية للشعر فهي أكثر انحسارا من منازل الشعر، كانت مساحة العروض الشعرية تسمح للشاعر بالتحكم بإيقاع الشعر وتمنح الصوت المنبري قدرته على التحكم بحماس الجمهور الشعري، لذا يقولون إن شوقي أشعر من حافظ اذا كتب وحافظ أشعر اذا ألقى. تغيرت تلك التصاميم كنتيجة طبيعية لتغير المنازل الشعرية والهدف المرجو منها، واحتلت القصيدة الجديدة بموسيقاها الخاصة أو تفعيلتها الساحة الشعرية اعلانا بدخول الذات الشعرية وخروج الموضوع الشعري، فلم يعُد الشاعر المحطة الفضائية الخاصة للخليفة أو القبيلة، لقد اصبح يدرك أنه شخصية مستقلة لها كيانها وما يكتبه تجاه أي قضية عامة هو رؤيته الشخصية لتلك القضية وليست مرضاة للقائم عليها. ونتيجة للتطور الطبيعي، بدأت الدائرة تضيق حول فهم الذات واحساس الشاعر بأناه، فخرجت قصيدة النثر والذين يرون أن أغلب نتاجها لا يرقى الى مستوى القصيدة العمودية أو التفعيلة، نذكرهم فقط بما قالوه عن صلاح عبدالصبور والسياب وغيرهما منتصف القرن الماضي.نعود الآن الى أزمة الشعراء ومؤتمراتهم ومؤامراتهم لإقصاء الآخر والتسيّد على بيت مال الشعر أو ما تبقى من بيت مال الشعر، وهو بيت لم يعُد فيه ما يكفي لتوزيع الهبات وأكياس المال ومنتهى قدرته طباعة كتاب هنا وديوان هناك، والصراع الذي يقوده أحمد عبدالمعطي حجازي في أواخر أيامه مع شعراء قصيدة النثر يبدو غريبا، فأحمد حجازي حين كتب «مدينة بلا قلب» لم يكُن يرتدي رداء شوقي أو حافظ أو خليل مطران، بل كان صوتا حداثيا غادر متردم الشعراء واختط علاقة جديدة بين الشاعر «الأنا» والمدينة «المكان»، وشاعر بحجم حجازي يتفوق عليه ناقد لا يكتب الشعر بحجم جابر عصفور الذي يقبل الآخر ويتقبل قصيدته.الأسوا في الصراع، هو التكالب على جائزة تمنحها المؤسسة بين حجازي، أيضا، والشاعر عفيفي مطر، وأيا كانت قيمة الجائزة فالذي نفهمه أن تكريم الشاعر هو تكريم الشعر، ألم يقُل عفيفي مطر إنه رفض من الكويت جائزة بأربعين ألف دولار لأنه وقف مع العراق في غزوه على الكويت، علما بأن قيمة الجائزة التقديرية للشاعر والباحث الكويتي لا تصل الى هذا المبلغ، ولا أعرف حتى الآن اسم الجائزة التي تقدهما الكويت بهذا المبلغ ولا أسماء من فازوا فيها غيره.ما يحدث بين الشعراء كما ذكرت في أول المقال، هو بداية النهاية للمرحلة الثانية من القصيدة العربية وحلول المرحلة الثالثة ولتبشر قصيدة النثر خيرا.