رغم كل تطمينات الرئيس السوري بشار الأسد للرئيس اللبناني ميشال سليمان وللأميركيين والفرنسيين وغيرهم، فإن هناك مخاوف لدى أغلبية اللبنانيين بأن هذا الحشد لنحو عشرة آلاف من القوات السورية، وربما أكثر، في المناطق المتاخمة للشمال اللبناني والقريبة من مدينة طرابلس ومخيم البداوي الفلسطيني ليس سببه التصدي لعمليات التهريب الناشطة عبر الحدود، وإنما الاستعداد لرجعةٍ سورية الى لبنان ليعود الوضع الى ما كان عليه قبل صدور القرار الشهير 1559 في عام 2005.

Ad

وإن ما يجعل هؤلاء اللبنانيين ينظرون الى هذه التطمينات السورية بعين الشك والريبة أن الرئيس الأسد أدلى بتصريحين متلاحقين كل منهما حمَّال أوجه، الأول قال فيه، حسب أحد كبار المسؤولين في أحد أحزاب تحالف الثامن من آذار بقيادة حزب الله: «إن المشروع الأميركي في لبنان قد هـُزم كما حصل في العراق وفلسطين... والشعب السوري يقدر عالياً دور المقاومة في إسقاط هذا المشروع وتحقيق النصر... وإن لبنان سيحتفل بانتصارات جديدة من خلال إجراء الانتخابات النيابية في موعدها والتي قد تغير قواعد اللعبة، إذْ سيتغير الواقع السياسي الراهن لمصلحة المعارضة... والقوى التي هَزَمت إسرائيل ستهزم حلفاءها في لبنان».

إن هذا هو التصريح الأول، أما التصريح الثاني الذي أرعب اللبنانيين وأخافهم فهو الذي قال فيه الرئيس السوري، بعد متفجرة دمشق الأخيرة التي لاتزال تقال بشأنها وجهات نظر كثيرة: «لقد تحولت مدينة طرابلس في الشمال اللبناني الى حاضنة للتطرف والإرهاب، وإن هذا الإرهاب يستهدف سورية».

إن هناك مثلاً عربياً يقول: «إن من لدغته أفعى يصبح يخاف جرَّة الحبـْل»، فاللبنانيون كانوا قد جرَّبوا عودتين سابقتين للقوات السورية بعد انسحابها من لبنان، وهما: عودة عام 1976، بعد انسحاب وحدات القوات الخاصة التي كانت دخلت الأراضي اللبنانية ووصلت الى العاصمة بيروت بعد انفجار الحرب الأهلية، وعودة ما بعد مؤتمر الطائف الشهير بعد الانسحاب الذي أعقب الغزو الإسرائيلي في عام 1982.

وحقيقة ان متابعة تطورات الأمور في لبنان ورغم كل هذا الذي يقال عن موسم المصالحات الجارية على أكثر من صعيد وأكثر من جبهة تجعل مع «المتخوفين» كل الحق، ففي السياسة هناك لعبة أمم باستمرار، وهذا يعني أنه من غير المستبعد ان يُباع لبنان مرة أخرى كما بيع مرات عدة من قبل، وهذا يعني أنه على الأشقاء السوريين ان يأخذوا بعين الاعتبار أنه «ليس في كل مرة تسلم الجرة» وأن استدراجهم ليلقوا بأنفسهم مرة أخرى بين ألسنة النيران اللبنانية المشتعلة ربما يكون مقدمة للضربة المؤجلة التي ينتظرونها وينتظرها غيرهم!!

لا أحد يعرف أكثر من سورية ان رمال لبنان دائماً متحركة، وأنها استُخدِمت على مدى حقب التاريخ لإغراق الذين لا يحسبون الأمور بصورة جيدة... ولهذا وحسب تجربة الأمس القريب، فإنه من الأفضل للأشقاء السوريين ان يتخلصوا نهائياً من عقدة ان هذا البلد يجب ان يكون مجالاً حيوياً عسكرياً وأمنياً لهم وأنه يجب ان يبقى حديقتهم الخلفية.

* كاتب وسياسي أردني