رغدة: أشتاق الى أحمد زكي
حياتها سور فولاذي من الصعب اختراقه ، جهازها العصبي لا يتوقف عن العمل وأحاسيسها في حالة انتباه دائمة، تعلمت ألا تخجل من ضعفها وأن تعيش خلطة الحياة على طريقتها. إنها رغداء محمود الشهيرة بـ رغدة. تحدثنا بصراحة في الدردشة التالية. حدِّثينا عن رغدة الطفلة. نعيش الطفولة عبر رحلة العمر، فهي ليست مرحلة يبدأ بها الإنسان حياته لتنتهي عند حدٍّ معين، قد ترى كهلاً في داخله طفل والعكس صحيح. لم أكن طفلة بالمعنى المتداول لأني لم أعش مع والدي الذي انفصل عن والدتي، فشعرت أنني أعيش عالم الكبار منذ الصغر. ما هو القانون الذي تربيت عليه؟ تربيت على الخوف والترهيب والقهر، ولأني فتاة كانت الممنوعات كثيرة. أمي كانت قاسية جداً ولا أدّعي أنها كانت مثقّفة، لكنْ في داخلها رادار يحرك تصرفاتها. أذكر أنني كنت أدعي المرض أحياناً كي تحضنني، وبمرور الوقت بدأت أراها بعين مختلفة وأعي تصرفاتها، فهي تربي ثمانية أولاد، أربعة ذكور وأربع أناث، وهي مسؤولية مرعبة لأية أم. هل سبب لك انفصال والديك أي شرخ؟ مع الوقت استوعبت هذه التجربة المريرة، ليس الطلاق في حد ذاته هو الذي يؤثر في الأطفال وإنما علاقة الأبوين ببعضهما بعد الانفصال، وأعتقد أن هذا الانفصال زرع لدي شعوراً بالمسؤولية. فتحت عيني على الدنيا ولم أعرف أن لي أباً، ربتني أمي وتولى أخي الأكبر محمد مسؤولية العائلة بعدما أرسل والدي ورقة الطلاق لأمي وتزوج من أخرى، وكنت أذهب إليه بحكم المحكمة ومن ثم أجبرت على التعامل مع الأمر بواقعية شديدة. ماذا ورثت عن والدك؟ الحساسية، خصوصاً في الصيف. وعن والدتك؟ العصبية وسرعة الانفعال، أعمل بسرعة وأكسر أي شيء أمامي في لحظة الغضب، وأشعر إني في حالة غليان دائمة. كذلك ورثت عنها الوسوسة المرضية. ما الذي لفت نظر الآخرين اليك وأنت طفلة؟ عشقي لركوب الدراجات النارية لإثبات أن الصبي ليس أفضل مني. متى بدأت علاقتك بالكتابة؟ أول قصيدة كتبتها كان عمري تسعة أعوام وزخرت بهموم مبكرة تدور حول معنى الانتماء، وفي حلب كنت أكتب مواضيع الإنشاء لزميلات الفصل مقابل ليرة سورية للموضوع، وأذكر أني كنت مسؤولة عن الإشراف على مجلة الحائط كي أرصد من خلالها قضايا الوطن وكنت أنظم كل يوم اثنين أمسية ثقافية مع بعض الزميلات في حضور أدباء معروفين. متى بدأت تدركين جمال ملامحك؟ لم أرغب في طفولتي بالجلوس أمام المرآة كي أتأمل جمالي أو أضع الماكياج. ربما أدركت جمالي عندما زاد عدد العرسان الذين كانوا يزورونني في المدرسة ليروني على الطبيعة. هل تذكرين دقة قلبك الأولى؟ كانت في المرحلة الثانوية، أحببت ابن الجيران من طرف واحد، كنت أراقبه وهو يذاكر دروسه، ولم أصارحه بحبي الى ان تلاشى ذلك الشعور تدريجيا الى درجة أنني نسيت ملامحه، بعد ذلك سخرت من بكائي على حبي طوال الليل. وعندما كان عمري 17 عاماً، خطبني ابن أحد الوزراء، لكني لم أوافق لأنني لم أكن أحبه، بل أحببت فناناً تركني من أجل أخرى وكانت صدمة فظيعة بالنسبة الي. كيف تنظرين الى الأنوثة؟ نحن نفهم الأنوثة خطأ، ليست الكعب العالي والفستان الضيق وإنما هي التلقائية والبساطة، ومنذ طفولتي كنت بعيدة تماماً عن «الخلاعة» لأن تربيتي كانت عسكرية. وصفك الكاتب السوري محمد الماغوط ب»رغدة جارية مع سبق الإصرار»، وقال عنك الشاعر المصري الراحل صلاح عبد الصبور: «رغدة فرس جامح»، أيهما وصفك بصورة صحيحة؟ صلاح عبد الصبور. هل تحبين أولادك إلى درجة المرض؟! وصفك دقيق جداً، فأنا أخشى عليهم كثيراً وأتمنى أن أتعافى من هذا المرض. ما هو شعارك في تربيتهم؟ أربيهم مثلما تربيت مع فارق واحد هو عدم استخدام الضرب كوسيلة عقاب لأنني ضده فهو يكسر جزءاً من شخصيتهم. أي طفل من أطفالك تعبت خلال حمله؟ بثينة، فقدت قبلها طفلة عمرها 3 أيام وعشت إحساساً مؤلماً. يقال: أخطر أنواع القلوب «قلب العاصفة» و{قلب نظام الحكم» و»قلب المرأة»، ماذا تقولين؟ قلب المرأة هو قلب العاصفة لأنها كائن غريب جداً وشديدة التغير وفي داخلها حنان وقسوة وقوة وضعف لدرجة أنني أتساءل أحياناً: هل الحياة خلقت من رحم امرأة أم المرأة خلقت من رحم الحياة؟ يقول الشاعر نزار قباني: «اليوم يتذكر الجرح عيد ميلاده فيبكي»، هل في حياتك جرح كلما تذكرتيه تبكين؟ لا أبكي، إلا إذا كان الموقف فوق قدرتي على الاحتمال، لأن دموعي عزيزة جداً. أنت عنيدة؟ يجري العناد في شراييني مع الدماء. هل ذهبت الى طبيب نفسي؟ نعم. في سنتي الجامعية الأولى عانيت القلق والتوتر وهرب النوم من عيني، ما دمر صحتي وجهازي العصبي، لكن الطبيب فشل في مساعدتي لذا لا أثق بالأطباء النفسيين. ما هو السؤال الذي ترفضين الإجابة عنه؟ سألني صحافي مرة «هل حضرتك بتدخلي المطبخ؟» كما لو كنت قادمة من كوكب آخر. هل أنت قوية؟ متوازنة وواضحة مع نفسي. ماذا يحيرك في رغدة؟ لا تهمني رغدة لأني أفكر دائماً خارج أسواري وإرادتي. هل لديك حنين إلى شخص ما؟ أشتاق إلى الراحل الرائع أحمد زكي. ما هو برجك؟ برج السرطان، تجمع امرأة السرطان بين الصلابة والضعف، الرقة والقوة، أسوأ سماتها الاندماج إلى حد التهور ودائرة علاقاتها الإنسانية محددة للغاية وفي داخلها طفلة مكبوتة وعشق جنوني للتفرد وتحقيق الأحلام المستحيلة. أريد أن أسمع شيئاً من شعرك؟ معك عرفت كل مرادفات الألم كل أنواع القلق وتعاطيت أكثر من موت حتى نسيت كيف تكون ولادة أي شيء معك حفظت كل عناوين القهر تسكعت في ظل مدن الكذب معك نسيت كل حروف النطق ونسيت أن زمن الكبرياء عندي أطول من زمن الحب من أنت؟ المرأة التي تحمل موتها وحياتها فوق كتفيها ولا تثق إلا بقدرة خالقها الذي أعطاها ملكة الجلد وذراع الصلابة وعين التحدي. هل تشعرين بالأمان؟ لايمكن لأحد على وجه الأرض أن يمنحني الشعور بالأمان، فالأمان الحقيقي لا يعثر عليه الإنسان إلا من خلال نفسه.