غسل الدم

نشر في 18-12-2008 | 00:00
آخر تحديث 18-12-2008 | 00:00
No Image Caption
 أ.د. غانم النجار في إحدى ضواحي باريس وفي تمام الساعة الثانية عشرة منتصف الليل صوت أعضاء الأمم المتحدة قبل 60 عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مع امتناع ثماني دول عن التصويت ومن دون اعتراض من أي دولة.

وقد استغلت الدول قاطبة الإعلان ومبادئه السامية لتمرير أبشع الانتهاكات وأكثرها قسوة، وتعاملت مع الإعلان وكأنه شهادة حسن سير وسلوك لا يستحقها أحد.

فعلى الرغم من كل الشعارات والاستعراضات القائلة بالدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته فإن الانتهاكات المخجلة ما زالت مستمرة من دون توقف في العالم بعد مرور 60 عاما على صدور الاعلان، بل إنها تزداد سوءا، بل إن عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001 شهد أكبر تراجع في احترام حقوق الإنسان وكرامته.

كان غريباً جداً أن تعقد الدول العربية قبل أيام اجتماعا، هو الأول من نوعه، بشأن حقوق الإنسان، فحالة حقوق الإنسان في البلاد العربية هي من الأسوأ في العالم، ولا أدل على ذلك من أنه لم تظهر صورة حقوق الإنسان على شاشة الرادار العربية إلا بعد 60 عاما، بالطبع صدرت عن ذلك المؤتمر توصيات من المتوقع أن تطبق ربما بعد 60 عاما، والأرجح أنها كانت للعلم فقط.

كم من الدماء ستغسل... لكي يبدو العالم إنسانيا؟

أقل احمرارا؟

كم تبقى من دم في أجساد البشر لنغسله؟

الا نحتفل اليوم او امس او بعد غد بإعلان الانسانية، المسمى حقوق الانسان؟

عندما تطير من بلد معدم الى بلد معدم آخر تشعر بأنك تنتقل من كوكب الى كوكب آخر، تبحث عن الإنسان، فلا تجد الا بقايا جسد او بقايا اشلاء تحت اعلان يقال إنه عالمي، ويقال إنه للحقوق ويقال إنه للإنسان فأين يتوقف الصدق والنقاء والحقيقة؟ واين يبدأ الكذب والنفاق؟

لم نعد نملك في هذا الزمن، الا الفرح للانتصارات الصغيرة فلم يعد هناك امل ولا مرتجى ولا امكانية للانتصارات الكبيرة، فسيبقى السمك الكبير يلتهم الصغير، وستبقى الدماء تسيل، ويأتي مقاولو الرعب لتنظيف الدماء التي سالت عسى ولعل ان يظهر العالم نظيفا من تلك الدماء الرديئة، ولعله يأتي يوم ما ليخترع لنا احد اختراعا يجعل الدماء تجمد عند القتل، فأولئك الحفاة العراة المشردون لا حاجة الى ان تبقى لهم آثار دماء، اشلاء او اي شيء.

كنت اظن أن الزواحف من الكائنات ذوات الدم البارد، حتى تعاملت مع السياسيين ولا اقصد سياسيينا في الكويت هنا، فهم في مجملهم لا دم لهم، ولكني اقصد اولئك السياسيين الذين تنتج قراراتهم آلاف لا بل مئات، لا بل ملايين الضحايا، ويخرجون على الملأ ليتحدثوا عن انتصار استراتيجي او تكتيكي لا فرق، يلبسون القبعة او العمامة، يرتدون السروال او البنطلون سحنتهم بيضاء وردية او سمراء كلحة، المنطق واحد سواء كان رافعا شعار الدين او الحضارة المدنية.

والنتيجة واحدة ليسحق الانسان ولتحرق الاكفان ولنشرب الكؤوس في الجماجم.

back to top