Ad

إن كان هناك من ظاهرة دخيلة على المجتمع فهي هذه اللجنة العجيبة الغريبة، وإذا كان هناك من سلبية واضحة وضوح الشمس، فهي هذه الرقابة على الناس والوصاية عليهم، فلجنة من هذا النوع لن تجعل من الطالح صالحاً، لكنها ستزيد من زيفه الأخلاقي، وتعلمه كيف يرائي وينافق ويكذب.

حادثة وقعت منذ عدة أعوام، تستحق أن نذكّر بها بعض «المتحمسين» لما يسمى بلجنة الظواهر السلبية الدخيلة، ونتفكر معهم بأحداثها، علّنا نأخذ العبرة منها، خصوصا ونحن نعيش هذه الأيام، محاولات مسعورة من البعض لكتم أنفاس الناس وفرض الرقابة والوصاية عليهم، ممن يفترض بهم الدفاع عن حقوق الناس وحرياتهم، وكل ذلك باسم المحافظة على الأخلاق والعادات والتقاليد الموروثة، ومن أجل عيون نجمة هذا الموسم وكل موسم، السيدة الفاضلة «ثوابت»، وأختها الكريمة الآنسة «ضوابط»!

فقبل عدة أعوام نشب حريق في مدرسة للبنات في مكة المكرمة في السعودية، مات على إثره 15 فتاة فيما أصيبت 50 أخريات، وكان من الممكن حينها إنقاذ هؤلاء الفتيات اللواتي تدافعن للهروب من الحريق، لولا تصدي رجال «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لمحاولاتهن، فقد أغلقوا الأبواب في وجوههن، ومنعوا رجال الإطفاء من إخراج التلميذات من المدرسة، وذلك لأنهن لم يكن يرتدين الحجاب الشرعي!

وقد قال حينها بعض من شهدوا الحادثة، إنهم رأوا ثلاثة مطاوعة «عباقرة» من «اللي يحبهم القلب» يضربون الفتيات، لمنعهن من مغادرة المدرسة التي تلتهمها النيران لأنهن لم يكنّ يرتدين العباءة، كما منعوا الرجال الذين هبوا للمساعدة من إنقاذ التلميذات، وحذروهم من أن لمس الفتيات يعتبر ذنبا عظيما!

من المؤكد أن «اجتهاد» رجال الهيئة كان «كارثيا»، وقد أثارت هذه الحادثة غضب المجتمع السعودي إلى أقصى حد، وجعلته يتساءل عن الجدوى من وجود هيئة كهذه لا يفهم أفرادها «الجهلة» ما المقصود بـ«المعروف» و«المنكر»، فقد رأوا في ترك الفتيات يحترقن معروفا، وفي إنقاذهن من رجال من غير محارمهن منكرا، قمة الوعي والفهم والإدراك والذكاء الواضح الذي لا يحتاج إلى دليل!

وقد تم الآن الحد كثيرا من صلاحيات هذه الهيئة في المملكة، وأصبح زوالها تدريجيا مسألة وقت، إلا أن هذا الأمر لم يمنع نواب التيار الديني من الإعجاب للغاية بهذا النموذج «الممتاز» من الهيئات، ولذلك، «ولأنهم يحبونّا موت»، فقد أنشؤوا لنا لجنة «الظواهر السلبية الدخيلة»، لتشكل خطوة أولى نحو إنشاء «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»!

وهذه التسمية اللطيفة التي أطلقها الإخوة الإسلاميون على لجنتهم «الدخيلة»، ضبابية المعنى وتحمل ألف تأويل، فما يرونه هم ظاهرة سلبية ودخيلة، نراه نحن ظاهرة إيجابية وتطوراً طبيعياً تفرضه الظروف والاختلاط بالثقافات الأخرى، فهناك اختلاف واضح في الرؤية بيننا وبينهم، وسنكون مجانين إن سلّمنا لهم الأمر، ورضينا بوجود لجنتهم هذه، لأننا نكون حينها قد سلّمنا رقابنا لسيوف رغباتهم وأهوائهم ومزاجيتهم!

هناك سؤال محير يفرض نفسه هو: من خوّل بعض الإخوة النواب «الكاملين والكامل الله» أن يراقبوا سلوكيات الناس؟ وماذا يلبسون؟ وكيف يتصرفون؟ فعلى حد علمي أن دورهم الرقابي مقتصر على عمل الحكومة وتقييم أدائها، لا مراقبة سلوكيات الناس وتقويم أخلاقهم، ثم بأي حق هم يفعلون ذلك؟ وبماذا يتفوقون علينا؟ ويتميزون عنا؟!

هم مسلمون ونحن مسلمون، هم يصلون ونحن نصلي، هم يصومون ونحن نصوم، يزورون بيت الله وكذلك نفعل، يزكون ويتصدقون ونحن مثلهم وربما أكثر، ونحن جميعا نحب ديننا ورسولنا، وقد أحسن أهلنا تربيتنا كما فعل أهلوهم!

فبماذا يختلفون عنا بالله عليكم، بلحية طويلة ودشداشة قصيرة؟! أهذه هي الميزة العظيمة التي جعلتهم أوصياء على الناس، ورقباء على سلوكياتهم، هل هناك دراسة علمية حديثة تثبت أن الإنسان الملتحي، أكثر ذكاءً وعلماً وخلقاً ممن يحلق لحيته؟ وهل هذه اللحية «تسند» الأفكار مثلا، فتصبح أوضح وأفضل وأقرب إلى الصواب؟ وهل لها دور في طهارة النفس ونقاء الأخلاق وحسن السلوك؟ وهل راقب الإخوان أخلاقهم وراجعوا سلوكياتهم، فوجدوا أنها أفضل من أخلاقيات وسلوكيات باقي المواطنين، ففكروا بإنشاء لجنة كهذه ترفع الناس إلى مستواهم؟!

إن كان هناك من ظاهرة دخيلة على المجتمع فهي هذه اللجنة العجيبة الغريبة، وإذا كان هناك من سلبية واضحة وضوح الشمس، فهي هذه الرقابة على الناس والوصاية عليهم، فلجنة من هذا النوع لن تجعل من الطالح صالحاً، لكنها ستزيد من زيفه الأخلاقي، وتعلمه كيف يرائي وينافق ويكذب، ليعيش في مجتمع لا يهمه سوى أن تكون في «الظاهر» تقياً وفاضلاً وورعاً، وما عدا ذلك فأنت حر شريطة ألا يراك أحد!

تذكروا فقط حادثة المدرسة وطالباتها اللواتي احترقن، لتعرفوا إلى أي مستوى من الجهل يريد أن يسير بنا القوم!