الثوب الفضفاض والديمقراطية
تتنوع أنظمة الحكم في العالم بين الديمقراطية بصورها المختلفة والدكتاتورية بأنواعها، وإن كانت الدكتاتوريات في العالم في طريقها إلى الانقراض إلا في عالمنا العربي الذي ابتدعت أنظمة الحكم فيه- كما سبق وذكرنا في مقال سابق (19/9/2007)- النظام «الديمقراتوري» في محاولة منها للتذاكي على شعوبها والضحك عليهم، فهي تحرص على الظهور أمام العالم الخارجي بالثوب الديمقراطي، بينما تقمع شعوبها بالعنف الدكتاتوري، وهذه حال معظم الدول العربية مهما اختلفت مسميات الحكم فيها، باستثناء دولة واحدة لولا الطائفية البغيضة لأصبحت ديمقراطية بامتياز.
ومن حكمة التاريخ تعلمنا أن الحاكم، وإن بدأ حكمه ديمقراطيا منفتحا على آراء خصومه وانتقادات معارضيه مراعيا مصلحة شعبه حريصا عليها، إلا أن مجموعة المهللين والمصفقين المحيطين به هم من يزينون له الدكتاتورية بأساليب شتى ويبعدونه عن النهج الديمقراطي، ضماناً لمصالحهم وتحقيقاً لمآربهم لأنهم يعلمون أن الديمقراطية الحقيقية تلغي دورهم، وتسحب البساط من تحت أقدامهم، وتلقي بهم بعيدا عن ساحة الحكم والتحكم، وغالبا ما يلجأ هؤلاء إلى ادّعاءات مختلفة لإقناع الحاكم، فتارة يدّعون أن الشعب لا يستحق الديمقراطية وتارة يقولون إن الشعب لم يبلغ بعد، وليس قادرا على تحمل مسؤولياته، وثالثة ينصحون الحاكم بأن الشعب يجب أن يتعلم الديمقراطية بالتدريج، ولا يمكن تطبيقها كاملة، ويوما بعد يوم تنتهي الديمقراطية ويصبح الشعب لا حول له ولا قوة. وإذا كان هذا السلوك مفهوما- وإن كان غير مقبول- من تلك الجوقة المنتفعة فهو غير مفهوم ولا مقبول على الإطلاق من حملة الأقلام ودعاة الفكر، فهؤلاء هم خط الدفاع الأول عن الديمقراطية، وحصن الشعب الأمين، أو هكذا يجب أن يكونوا، لذلك كان عجيبا جدا أن يدعو البعض هنا في الكويت (والتي تعتبر نسبيا ومقارنة بالدول العربية الأخرى أكثر ميلا للديمقراطية وحرصا على تطبيقها) إلى تجريد الديمقراطية من أقوى أسلحتها، بدعوى أن ثوب الديمقراطية «فضفاض» أكبر من الشعب، ولا يناسبه. ما هذا الحديث الغريب؟ وما المطلوب إذن؟ فإذا كان الثوب فضفاضا والشعب نحيلا فلا بد من خلع الثوب وإلقائه بعيداً ليقف الشعب عاريا يتسول أي شيء لستر عورته... ما هذه الأفكار الخبيثة المرفوضة التي يتداولها البعض لإلغاء الديمقراطية ولمصلحة من يتم كل هذا؟ لقد عانينا في مصر ومازلنا نعاني الكثير من نفس الادعاءات الشريرة التي تطلقها جوقة المنتفعين، فهم يدّعون صباح مساء أننا نطبق الديمقراطية ولكن بالتدريج!! ولا أدري أي تدرج ذلك الذي استمر أكثر من 28 عاما، ومازلنا عند السفح لم نرتق درجة واحدة، فهل هذا هو النموذج المطلوب تكراره في كل بلد عربي؟! وهل يسعى البعض إلى أن تتحول الديمقراطية إلى مسخ مشوه لأدوات عاجزة قاصرة لا تسمن ولا تغني من جوع. كلمة أخيرة: ليتسع صدر الجميع، فإن كان كل هذا منعا لاستجواب رئيس الحكومة فما الخوف؟ وما الضرر من استجوابه؟ وما المانع؟ وحلا للمشكلة يمكن أن يستأذن سمو رئيس الوزراء من سمو الأمير في اعتلاء منصة الاستجواب لتفنيده ودحض حججه، ومن ورائه أغلبية برلمانية نجحت الحكومة في تأمينها خلال انتخابات اللجان، وبذلك ينتهي الاستجواب ورئيس الحكومة أكثر شعبية والحكومة أكثر قوة، والديمقراطية أكثر ازدهارا، والكويت أكثر سلاما ورخاء، أما خلع ثوب الديمقراطية والوقوف عراة فلا يصح ولا يليق على الأقل طبقا للعادات والتقاليد الموروثة وتنفيذا لمحاذير لجنة الظواهر السلبية التي هي، ورغم كل شيء، نتاج الديمقراطية المفترى عليها.