بعد مقال الخميس الماضي الذي انتقدت فيه اقتراح «القرض الحسن»، هاتفني النائب مرزوق الغانم شارحاً وجهة نظره من تقديم الاقتراح، ومعاتباً لتلميحي بأن للاقتراح دوافع انتخابية، وقد جاء اتصاله بعد مقابلته يوم الاثنين في تلفزيون «الراي» التي شرح فيها الاقتراح، ورغم أن رأيي لم يتغير كثيراً، إلا أن تكرم الأخ الكبير مرزوق الغانم بالاتصال واقتطاعه نصف ساعة من وقته لإقناعي بنقاش موضوعي يجعل عتابه عسلاً على القلب وموسيقى تطرب الأذن.
اختلافي مع الغانم هو من حيث المبدأ، فهو يرى أن هناك حاجة ماسة لتوزيع قروض من المال العام على جميع المواطنين في هذا الوقت، بينما أرى أن اقتصادنا لم يقترب بعد من مرحلة تتطلب إجراء كهذا، إذ ليس هناك حركة «تفنيش» على مستوى المجتمع ككل، حيث أكثر من 90 في المئة من الموظفين ينعمون بوظائف حكومية برواتب مضمونة، ولم يفقد أحد منزله بعد نتيجة التخلف عن سداد القرض السكني، ورغم التضخم لاتزال المجمعات والمطاعم والمقاهي مكتظة بالزبائن دليلاً على متانة القوة الشرائية للمجتمع، لذلك فالأزمة مالية تخص النظام المالي والاستثماري، ولم تقترب من المواطنين بعد، وقد لا تقترب.ويرى الغانم أن الاجتهاد أفضل من عدم طرح البدائل، بينما أرى أن عدم الاجتهاد في الظروف الحالية هو اجتهاد بحد ذاته، إذ لا بد من إعطاء الاقتصاد فرصة أن يأخذ مجراه الطبيعي في التصحيح والتخلص مما ساهم في نفخ فقاعته، كما يرى الغانم أنه وزملاءه يجنبون المال العام هدراً أكبر فيما لو أقرت قوانين إسقاط القروض وشراء المديونيات الأخرى الأكثر كلفة، بينما أرى أن التمسك بمبادئ الحفاظ على المال العام وعدم هدره هو تضحية أثمن مما سيحفظه الاقتراح من المال العام بدلاً من تلك القوانين.لقد استشهد الغانم في المقابلة بقوانين تحفيز الاقتصاد الأميركية عبر دعم المواطن مباشرة، ولكن يجب عدم إغفال أن تلك الأموال هي في الأساس ضرائب دفعها المواطن، لذلك فهي أموال يسترجعها المواطن وليست مأخوذة من إيرادات نفطية، بينما دولة الكويت لا تحصّل ضرائب من المواطن، بل بالأحرى تدعمه بـ2600 دينار سنوياً (الجريدة 2 مارس 2009)، لذلك فالمقارنة غير دقيقة.إذن نختلف على المبدأ، أما التفاصيل فنحن متفقان عليها. إن من يعارض المقترح ليس بالضرورة مسيئاً فهمه أو معارضاً لدعم المواطن، فكل ما هنالك أن الغانم وزملاءه يؤمنون بأن دعم المواطن يكون بتوزيع الأموال «كاش» كقرض حسن، بينما أؤمن بأن دعم المواطن يكون باستثمار تلك الأموال في مشاريع تنموية تخلق فرص العمل وتُحسّن الخدمات التعليمية والصحية وتوفر السكن حتى لا يضطر المواطن إلى الاقتراض للحصول على تعليم جيد، وعلاج يوثق به، وبيت بسعر خيالي، فبذلك نضمن أن دعم المواطن مستدام ولا يتلاشى بالصرف المباشر على شراء السيارات والتسوق والسفر.أما بالنسبة إلى عتب الأخ الكبير على أخيه، فأؤكد بأن ما ذكرته في المقال السابق هو انطباع موجود- لدي ولدى غيري الكثيرين- ناتج عن فهم للجوانب السياسية والفنية للمقترح، وطريقة تعامل الغانم وزملائه معه إعلامياً، وهو ما تجلى أكثر بأسلوب الطرح في مقابلة «الراي» إياها. إذن لم يكن القصد التشكيك والدخول في النوايا، وإن كان لما كتبته عن الراشد والغانم والعبدالجادر أثر سلبي، فكما قلت للغانم «أنتم ربعنا ونمون عليكم» ونساعدكم في مواجهة الضغوط الانتخابية.أخيراً، ليت كل النواب كمرزوق الغانم يتجاوبون مع ما يُكتَب عنهم ويحاورون ويقاتلون لتحقيق ما يؤمنون به، إذ أشعر بالخجل لأني «نشفت ريجه» لنصف ساعة ولم نصل لقناعة مشتركة. تمنيت أن أقتنع، ولكن في قضايا الاقتصاد، عندما يكون خياري بين الغانم وزملائه في كفة، وجاسم السعدون الذي قال في تقرير الشال الاقتصادي الأحد الماضي إن اقتراح الغانم وزملائه «كارثة على حاضر البلد ومستقبله» في الكفة الأخرى، تصبح فرص الغانم وزملائه كفرص منتخبنا أمام البرازيل.
مقالات
قرض مرزوق
12-03-2009