أولويات الصرعاوي... وخدعة الخطة التنموية

نشر في 06-05-2009
آخر تحديث 06-05-2009 | 00:00
 عبدالمحسن جمعة هذه الأيام الدنيا ربيع والجو بديع، والسهر في المقار الانتخابية في الهواء الطلق «يهبل»، ومع هبة النسيم العليل، يتجلى المرشح، ويبدأ برسم لوحة زاهية الألوان لسُماره عما سيفعله للبلد من إنجازات، وكلما اشتكوا له من تردي أوضاع المرافق الصحية وازدحام الشوارع وتقادم المدارس... إلخ، طبع على وجهة تعابير الحزن والدهشة، قبل أن ينتفض ليعلن لهم أنه عندما يدخل المبنى الأبيض على شارع الخليج، سيضع الأولويات التنموية نصب عينيه لتنفذ وتنعكس على أحوال البلاد والعباد بالخير والنماء، ولكنه يستدرك مشترطاً: كل ذلك مرهون بتقديم الحكومة الخطة التنموية.

خطة التنمية الحكومية هي «مسمار جحا» لنوابنا لكي يتهربوا من موضوع الإنجازات وتحسين مستوى الخدمات للمواطنين والمقيمين، وعندما يوضع النائب السابق في الزاوية في ندوة أو لقاء من أسئلة الناخبين عن دوره في الإنجاز نجده يسارع إلى ذلك الشعار السحري «الخطة التنموية» فيسكت معظم المواطنين ولا يكملون إحراجه بالنقاش خشية أن يُتَّهمهوا بالجهل وعدم الإلمام بماهية الخطة التنموية ووظيفتها، بينما يخرج النائب السابق والمرشح الحالي منتصرا و«مبري ذمته» من عدم قدرته على فعل شيء لانتشال البلد من حالة التردي العام.

وحتى لا «يدوده» أي ناخب عندما يلقي نائب سابق أو مرشح حالي عليه بذلك «الأكلشيه»، سأبين له أن الدولة كان لديها خطة تنموية ومقرة منذ عام 1986 حتى الغزو الصدامي في أغسطس 1990، فهل تم خلال تلك السنوات الأربع بناء مستشفى عام واحد؟ أو تأسيس جامعة جديدة؟ أو استحداث طرق دائرية ضخمة؟ أو إنشاء صناعات أو خدمات تكون نواة لبدائل اقتصادية لفترة ما بعد حقبة النفط؟

لم يحدث كل ذلك، وببساطة لأن خطط التنمية يجب أن تنفذها حكومات تشكَّل من الأغلبية التي تحصد مقاعد البرلمان وفق برنامج يختاره الناخبون وفريق وزاري منسجم ومتكامل، أما الحكومة التي تشكل من «ماكنتوش» سلفي وإخواني وبيروقراطي وتكنوقراطي وقبلي وطائفي، فأقصى ما يمكن أن تنجزه هو برنامج على مدى قصير، بمشاريع يتم التأكد من جدواها التنموية والاقتصادية بعناية ومتابعة حثيثة وجادة من رئيس الحكومة والبرلمان.

ولذلك فإن ما أنجز خلال العقدين الماضيين في البلد، كان غالبا بتدخل من البرلمان في سلطات الحكومة التي يشل حركتها عدم انسجامها، فإنشاء الشركات هو ليس من اختصاص البرلمان، ولكن تدخل النواب بإنشاء شركات الاتصالات قدم خدمة مباشرة للعامة رغم أنه يمثل تدخلا في اختصاصات السلطة التنفيذية، لذا فإن تبرير النواب بعدم بناء المستشفيات والمدارس الحديثة والطرق بأنه هو أمر من اختصاصات الحكومة غير مقنع، خصوصا مع وجود هذه المعضلة الدستورية التي تمنع تشكيل حكومة أغلبية قائمة على برنامج شامل متفق عليه بين أعضائها.

ورغم هذا الوصف لآلية العمل السياسية الكويتية التي يعيها النواب، ومعاناة المواطنين وشكواهم المزمنة من عدم الإنجاز نرى النواب في واد آخر يملؤه التنظير، ولتتحققوا من ذلك فلكم أن تتفحصوا الأولويات التي أُقرت في المجلس السابق ورفعها النائب السابق عادل الصرعاوي للمجلس... فبينما الناس تئن من عدم وجود سرير في المستشفيات وطول المواعيد في العيادات الخارجية وزحمة وتلوث المدينة وتطلعهم لنقل جماعي حديث ومبنى مدرسي عصري... نرى أن أولوياته هي جلسات للقضايا الاجتماعية، وأخرى لبحث تقارير اللجان عن القضاء وتقارير اللجان عن القضايا الاقتصادية والزيادات المالية والتأمينات الاجتماعية والعمالة، وبحث تقارير تتعلق بالفساد.

ترى هل هذا ما يتطلع إليه المواطن الكويتي بصفة الاستعجال في دولة تصف المنظمات العالمية بناءها التشريعي بالجيد وتحتاج لقرارات للتنفيذ والإنجاز؟! المشكلة أن هناك انفصالا تاما بين رغبات المواطنين وفكر أغلبيتهم، وما يريده النواب الذين يختارونهم، والذين غالبا لديهم أجندة مختلفة عنهم، ولا يستطيعون أن يشخصوا العلة الحقيقية في البلد، ويكونون غالبا من مستوى اجتماعي يجعلهم لا يمرون بحالات المعاناة التي يمر بها المواطن العادي، فيجنحون إلى التنظير في الأداء، ومحاولة استحضار تجارب وممارسات سياسية لدول ومجتمعات لديها واقع وبيئة وظروف سياسية مختلفة.

لذلك أنا أشك في أن نوابنا القادمين إلى مجلس 2009 قادرون على أن يحققوا إنجازا ملموساً للمواطنين، أو أن يقفوا صفا واحدا ويطلبوا في أول جلسة لهم أن توافيهم الحكومة بخططها لبناء المستشفيات الجديدة والمدارس وتطوير الخدمات خلال ثلاثة أشهر مثلاً، وأشك أيضا أن يُقدموا على الفور على تعديل قانوني المناقصات العامة وديوان المحاسبة لاستبعاد الإجراءات اليبروقراطية والدورة المستندية الطويلة في سبيل سرعة إنجاز المشاريع الكبرى... والابتعاد عن شعار «الخطة التنموية» التي يمكن إنجازها لاحقاً بتروٍّ ونقاش يحدد مدى جدواها والقدرة على تطبيقها.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top