Ad

تشكيلة مجلس الأمة وتشكيلة الحكومة، ما هما إلا صوت وصداه، وشكل حكومتنا ما هو إلا انعكاس صريح لصوت الناخبين وإرادتهم في البرلمان، ومجنون مَن يريد منا أن نقبل بنتائج الانتخابات التي جاءت بممثلي هذه القوى السياسية، وأبناء القبائل من خلال الفرعيات، ويطلب منا الآن أن نرفض التشكيلة الحكومية التي جاءت لتوافق نبض صناديق الاقتراع واختيارات الناخبين!

انسحاب تسعة نواب من جلسة البرلمان الأولى أثناء قسم الوزراء، والذين منهم ثلاثة (فيصل المسلم، وليد الطبطبائي، محمد المطير)، انسحبوا (كموقف سياسي ولتبيان وجهة نظرهم تجاه الحكومة الجديدة التي جاء تشكيلها مخيباً للآمال ومحبطاً لتطلعات الشعب الكويتي)، أمر يستحق التوقف عنده، بل إن تصريح النائب المطير بأنه (كان لدينا إجراء سياسي يمثل سقفاً عالياً سنتخذه غير أننا ارتأينا الاكتفاء بالانسحاب من جلسة القسم حتى لا يستغل البعض الموقف ويصفنا بالمؤزمين)، يدفعنا إلى هذا التوقف قسراً.

فكرة الاحتجاج على كون التشكيلة الحكومية قد جاءت مخيبة للآمال، فكرة جميلة وبراقة، تدغدغ بل تثمل مشاعري شخصياً كناخب يتطلع إلى مواقف قوية من ممثليه في البرلمان، لكنني وحين أرجعت البصر كرتين في انسحاب هؤلاء النواب ودوافعه، وجدت البصر ينقلب إلي كسيراً محبطاً، حاملاً سؤالاً يتلجلج قائلا: وماذا كان بيد رئيس الوزراء أن يفعل غير ذلك؟ وما هي التشكيلة الحكومية التي كان بإمكانه أن يأتي بها سوى هذه؟ وماذا كانت ستكون النتيجة لو تغيرت آلية الاختيار التي يحتج عليها النواب اليوم؟!

وثانياً، أليست القوى السياسية كلها الممثلة في البرلمان، بلا استثناء، قد شاركت في تركيبة الحكومة، اللهم إلا التكتل الشعبي؟ أليس للسلف وزيرهم، ولـ«حدس» وزيرهم (أو وزراؤهم بحسب بعض التحليلات)، ولليبراليين وزراؤهم، وللتحالف الإسلامي الوطني وزيرهم؟ وبالتالي أليست هذه التشكيلة الحكومية التي نالها من الانتقاد والاستهزاء الكثير، ويا للعجب، صنيعة مشتركة قبلت القوى السياسية جميعها أن تساهم في تركيبها؟!

وعليه فماذا كان أمام رئيس الوزراء إلا أن يواصل لعبة التوازنات والمحاصصة، فيجعل وزراء من القبائل التي أخرجت الكتل البرلمانية الأكبر، وهي التي تنظر إلى نفسها كقوى سياسية فاعلة على الساحة كذلك، فيكون للمطران وزير، وللرشايدة وزير، وللعوازم وزير، وللعجمان مثلهم؟!

لنسأل النواب المنسحبين: ما شكل الحكومة التي كنتم تريدون؟ وهل تتصورون بأنها لو جاءت بالكامل من فريق واحد أو تيار واحد، بذريعة الانسجام، كانت ستحوز رضا الناس ولن تصبح عرضة لهجوم التيارات الأخرى التي استثنيت من المشاركة؟! أم أنكم كنتم تريدونها مكونة من وزراء بلا ارتباطات سياسية أو قبلية؟!

تشكيلة مجلس الأمة وتشكيلة الحكومة، ما هما إلا صوت وصداه، وشكل حكومتنا ما هو إلا انعكاس صريح لصوت الناخبين وإرادتهم في البرلمان، ومجنون مَن يريد منا أن نقبل بنتائج الانتخابات التي جاءت بممثلي هذه القوى السياسية، وأبناء هذه القبائل من خلال الفرعيات، ويطلب منا الآن أن نرفض التشكيلة الحكومية التي جاءت لتوافق نبض صناديق الاقتراع واختيارات الناخبين!

لا داعي للمجاملات، ولنعترف بأننا نعيش في عالم من المتناقضات قولاً وفعلاً. نوابنا، وقوانا السياسية، قبل حكومتنا، هم مَن يعيشون في هذه الحالة الصارخة من التيه والتناقض ولن أقول النفاق السياسي حتى لا أزعج أحداً.

يقبلون، أو لنقل يتغاضون، عن جريمة الانتخابات الفرعية ونوابها الذين خرقوا القانون نهاراً جهاراً، ولم يتورعوا عن دعمهم لتقلد المناصب في مجلس الأمة، وغداً سيضمونهم لكتلهم البرلمانية، ويأتي منهم الآن من يقول إن تشكيلة الحكومة مخيبة للآمال، لمجرد أنها عزفت على أنغام الشعب نفسها. يخرق بعض النواب قانون الانتخابات ويضربون به عرض الحائط، ويأتي منهم الآن مَن يحتج على أن الوزيرتين نورية الصبيح وموضي الحمود تخالفان قانون الضوابط الشرعية للمشاركة السياسية للمرأة؟! هذه التناقضات وهذا الخداع المسعور هو دليل صارخ على أن الغالبية - إن لم يكن الجميع، من قوى سياسية وبرلمانيين وأقطاب سلطة - ضالعة ومتسببة في هذه الفوضى السياسية التي نعيش، ولا يمكن لأحد أن يزايد على أحد!