لغة الترهيب التي تتبعها إدارة الجامعة تؤكد المحاولة اليائسة من الإدارة لتقنين المخالفات والتجاوزات التي تمارسها حالياً، وإعطائها صفة الشرعية القانونية بعدما باتت مكشوفة ومعروضة أمام لجنة تحقيق برلمانية، من دون الإحساس بالمسؤولية بأنها إدارة زائلة، وأن القانون سوف يخدم الإدارات الجامعية في المستقبل.

Ad

لطالما كان قانون جامعة الكويت حلم الأساتذة والباحثين والطلبة وجميع العاملين في هذا الصرح العلمي العالي، فلم يعد القانون رقم 29 لسنة 1966 يستوعب التوسع الهائل الذي شهدته مسيرة الجامعة على مدى نصف قرن من حيث عدد الكليات والمراكز البحثية، وحجم أعضاء هيئة التدريس والفئات المساندة، وأعداد الطلبة وطلبة الدراسات العليا، ناهيك عن بدء العمل بمشروع المدينة الجامعية الجديدة.

ولكن فوق جميع تلك الاعتبارات فإن قانوناً جديداً للجامعة أصبح ضرورة حتمية تقتضيها المسؤولية التاريخية والأمانة العلمية، بعدما تحول هذا الكيان النخبوي الراقي الذي يمثل عصارة العلم والمعرفة إلى مرتع للتجاوزات والمخالفات، ومعقلاً لكبح الحريات، وعلى الرغم من بدايات تفشي الفساد الإداري والتنظيمي والأكاديمي عبر الإدارات الجامعية المتعاقبة في مرحلة ما بعد التحرير، فإن هذا الفساد قد وصل إلى العظم في ظل الإدارة الحالية، فالمناصب القيادية والإشرافية أصبحت حكراً على مجموعة محدودة جداً تتنقل بين هذه المواقع المهمة كأحجار الشطرنج، والقانون الحالي بمواده ولوائحه التنفيذية يُضرَب به عرض الحائط وصور الانتقام من أعضاء هيئة التدريس من خلال جرجرتهم إلى لجان التحقيق والنيابة وتعطيل الترقيات، وموارد البحث العلمي والحرمان حتى من التدريس الصيفي، صارت سمة بارزة بحق من يبدي رأياً مخالفاً للإدارة الجامعية.

وقد كان لي شرف المساهمة مع بعض الزملاء النواب في تقديم قانون جديد لتنظيم جامعة الكويت على مدى خمسة فصول تشريعية متتالية، مستكملين جهود الأعضاء الأفاضل في حقبة السبعينيات والثمانينيات، وبالتعاون مع جمعية أعضاء هيئة التدريس، وكاد هذا القانون أن يرى النور أخيراً لولا حل مجلس الأمة مرتين عامي 2006 و2008، حيث تم الاتفاق مع وزيري التعليم العالي الدكتور رشيد الحمد والدكتور عادل الطبطبائي إضافة إلى مدير الجامعة السابق الدكتور نادر الجلال على إنجاز القانون في اللجنة التعليمية بمجلس الأمة، وحرصاً على مبدأ التعاون وانطلاقاً من مبدأ كسب الوقت وعدم البدء من نقطة الصفر، فقد تمّت إعادة تقديم القانون كما اتفقت عليه اللجنة التعليمية وإدارة الجامعة والوزير المختص.

ولكن يبدو أن الإدارة الحالية تحاول إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء في محاولة محبوكة، إما لنسف القانون وإما لتأخير إقراره إلى أبعد مدى، حيث قامت أخيراً بتوزيع مسوّدة قانون جديد يُستشفّ من عناوينه الرئيسة تعزيز سلطات المدير المركزية من خلال التعيين المباشر لنوابه، وزيادة عدد الأعضاء الخارجيين في مجلس الجامعة، ومنحهم حق التصويت والعمل من خلال التفويضات غير المحددة زمنياً في مقابل تهميش دور الأقسام العلمية التي تعد عصب المؤسسة الجامعية، وإلغاء دور جمعية أعضاء هيئة التدريس كنقابة رقابية من الوجود، إضافة إلى فرض هذه الهيكلية المركزية بصورة مصغرة على مستوى الكليات الجامعية.

ومن خلال أسلوب الترهيب المعهود تم تعميم مسودة المشروع على أعضاء هيئة التدريس، والطلب منهم إرسال اقتراحاتهم مكتوبة بأسمائهم إلى مكتب المدير، في خطوة تقتضي أبسط الأعراف الأكاديمية أن يتم التداول في هذا الشأن مؤسسياً عبر مجالس الأقسام العلمية وجمعية أعضاء هيئة التدريس باعتبارها الممثل الشرعي لأساتذة الجامعة؟!

وهذه اللغة تؤكد المحاولة اليائسة من الإدارة الجامعية لتقنين المخالفات والتجاوزات التي تمارسها حالياً، وإعطائها صفة الشرعية القانونية بعدما باتت مكشوفة ومعروضة أمام لجنة تحقيق برلمانية، من دون الإحساس بالمسؤولية بأنها إدارة زائلة، وأن القانون سوف يخدم الإدارات الجامعية في المستقبل، ولكن نبشر هذه الإدارة بأن قانون الجامعة الجديد سوف يرتقي بإذن الله إلى مستوى طموح الأساتذة والعاملين وطلبتنا في المستقبل ليكون الحرم الجامعي ساحة حقيقية للحرية والمعرفة والتقدم العلمي، وليعلن نهاية عهد الشللية والمصالح والإرهاب الفكري!