هانحن مجددا أمام مشروع صفقة مليارية جديدة، قيمة المشروع هي عشرة مليارات دولار فقط، مساهمة الكويت المتوقعة فيه هي 2.5 مليار دولار نقدا ونفطا، ربما اكثر وربما اقل بقليل. ولا أعرف إن كان هناك سر ما في رقم 2.5 مليار دولار، فقد كان هو ذات الرقم المذكور في عقد الشراكة مع «داو» كسقف تقاضي او شرط جزائي لا فرق.

Ad

ويبقى السؤال مطروحا بقوة، وعلى افتراض انه تقرر المضي قدما بالصفقة، فما هي القنوات التي ستسلكها الاجهزة الحكومية في حالة المضي قدما بالمشروع؟ وهل ستتكرر حكاية «المرادم» مجددا؟ وهل ستترك المسألة لتتحول الى أزمة، أم عسى أن يكون هناك من تعلم من المسارين السابقين لمشروع «داو» ومشروع «المصفاة الرابعة»؟ وهل ستبدأ الحكومة مبكرا في التعامل مع المشروع/الصفقة بشفافية، والتزام كامل بالحصافة القانونية والمحاسبية والسياسية، حتى نضمن أن تلك الاموال المستخدمة لن تذهب سدى، ولن تنتفع من ورائها عناصر فاسدة هنا او هناك؟ وهل سيكون لمجلس الامة دور؟ أم أن الحكومة ستنسحب مبكرا من المشروع؟

يقع المشروع في منطقة «فيساج» الحرة في ولاية اندرا براديش الجنوبية في الهند، وتبلغ قيمته الاجمالية عشرة مليارات دولار، ويتكون من مجمع بتروكيميائي/مصفاتي ضخم. والمؤكد هو أن الكويت لم تدخل في مفاوضات بشأن المشروع إلا منذ فترة قصيرة، أي بعد ظهور بوادر الازمة المالية الاقتصادية العالمية. فقد أدت تلك الازمة إلى انسحاب أحد اكبر المساهمين في المشروع، وهو عملاق صناعة الحديد والصلب، البليونير الهندي لاكشمي ميتال، حيث قدرت خسائره مع اثنين من شركائه بحوالي مئة مليار دولار، كما افادت بذلك مجلة فوربز.

فقبل دخول الكويت أخيرا، كان المشروع مكونا من خمسة شركاء، ثلاثة منهم عبارة عن شركات حكومية هندية وهي هندوستان للبترول، وشركة جيل، وأويل انديا بنسبة 49 في المئة، ويمثل الجانب الآخر لاكشمي ميتال وشركة توتال الفرنسية بنسبة 51 في المئة، وكاد المشروع يتعرض للتوقف حتى بان في الافق شركة أرامكو السعودية ومؤسسة البترول الكويتية لتدخلا في التفاوض وتحلا محل المنسحبين، وحسب المصادر المنشورة، فإن الطرف الكويتي يصر على ان يكون هو المزود الرئيسي بالنفط الخام للمشروع، بالاضافة الى الاصرار على ان يتم بيع الانتاج في الهند فقط وليس خارجها. وبالمقابل تصر «أرامكو» على المساهمة بما لا يقل عن 30 في المئة من قيمة المشروع، ولا تلقى المطالب الكويتية والسعودية قبولا لدى الطرف الهندي.

وإذ إن المفاوضات مازالت مستمرة، فإنه بات ضروريا فتح الملف والتعامل معه مبكرا بصورة اكثر جدية تجنبا للدخول في أزمة جديدة، لا يحتاج اليها نظامنا السياسي المتعثر.

من حيث المبدأ فإن تركيز الاستثمارات المليارية الضخمة في المجال النفطي يمثل توجها تنمويا خاطئا، فالنفط هو المصدر الوحيد للدخل ومن غير المجدي التركيز عليه فقط في المشاريع التنموية الضخمة، أما من حيث التفاصيل، فإن الخوف على المال العام كلما أعلن عن صفقة مليارية هو تخوف مشروع، في اجواء انعدام عامة للثقة، والتي نتجت عن عدم التزام بالاصول المحاسبية والقانونية وعدم تطبيق معايير الشفافية في مشاريع سابقة. بل ان حالة الفساد العامة والسائدة قد جعلت من الشك امرا عاديا ومقبولا، بصرف النظر إن كانت هناك فئات فاسدة تكون قد اشتركت في خلط الاوراق على طريقة «حشر مع الناس عيد». وبالطبع يضيع في وسط تلك الزحمة المخلصون والذين يقومون بواجبهم بكل تفان.

لا أظن أن المشكلة هي في عقد الصفقات، مليارية كانت ام اقل، ولكن المشكلة تكمن في انعدام الثقة بالاداء الحكومي، والنهج السائد في ادارة الدولة، ولذا فإن المطلوب هو العمل على استعادة تلك الثقة المفقودة. الا اننا عندما نتأمل في حالتنا المرضية، واوضاعنا البائسة، فعلينا الا نعول كثيرا على القادم، فمهما طلبنا من «شريم» ان ينفخ سيرد علينا «مامن برطم»، حتى وإن استخدم كل وسائل النفخ والتجميل.

لا أعرف ما سيؤول اليه مشروع «هندوستان»، ولكن ما اعرفه انه كان في الكويت بوم سفار مشهور يجوب البحار من الكويت الى الهند، كان ذلك قبل النفط، وقبل استشراء الفساد فيها، أما «داو» اليوم فهي شركة اميركية، وعسى الا تقودنا الى الهند عبر مشروع «هندوستان». فندخل في نفس المتاهة، ونشاهد نفس الفيلم الهندي للمرة الثالثة.