أيقظ إسقاط الولايات المتحدة خلال شهر فبراير الماضي، قمراً اصطناعياً، فشل في مهمته، وفقد طاقته وخرج عن مداره، بواسطة صاروخ معدّل، إيقاظ «مبادرة الدفاع الاستراتيجي» أو مبادرة «حرب النجوم» الريغانية من سباتها.

Ad

وحسب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في جولته في عدد من دول المنطقة مارس الماضي، فإن منظومة «حرب النجوم» الذي رحل الرئيس رونالد ريغان قبل أن يتحقق «حلمه» في إقامتها، مازال هناك في الإدارة الحاليّة من يحلم بتحقيقها. و«نحن على طريق تحقيق هذا الحلم» وفقا لتشيني.

ويبدو أن الترويج الحالي للدرع الصاروخية واحتمالات نشرها في تركيا، يشكل واحدة من توجهات واشنطن الاستراتيجية لإقامة مثل هذه المنظومة، ذلك ان الأهم من نشرها في كل من بولندا أوتشيكيا أو أي بلد آخر، هو الهدف الفعلي من إقامتها؛ تطويق روسيا أو الصين، أو مواجهة إيران؟ لاسيما أن جولة تشيني جاءت بعد أيام قليلة من استقالة الجنرال وليام فالون الذي ربطت استقالته، كما صرّح هو شخصيا، باختلاف وجهات النظر مع البيت الأبيض حول إيران، ومعارضته أي عمل عسكري ضدّها.

وبعد أن أعلن رئيس الوزراء التشيكي ميريك توبولانيك من العاصمة الألبانيّة تيرانا، أنّ الاتفاق بشأن الدرع الأميركيّة المضادة للصواريخ في أوروبا سيوقّع في مطلع مايو، جرى تأجيل الأمر حتى الثامن من يوليو الجاري، حين وقعت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس في براغ، الاتفاقية مع الجانب التشيكي، والتي تتعلق بنصب رادار أميركي على الأراضي التشيكية. وواصل الخبراء من الجانبين التّفاوض على الاتّفاق الثنائي الثّاني المعروف باسم «صوفا» وهو الخاص بوضع القوات، والذي ينص على شروط إقامة الجهاز البشري الأميركي في الجمهورية التشيكيّة.

وبعد التوقيع سيخضع الاتفاق لموافقة البرلمان التشيكي، لاسيما أن هذا النظام يقوم على نصب رادار حديث جداً في تشيكيا، إضافة إلى عشر قواعد لإطلاق صواريخ اعتراضية في بولندا بحلول عام 2012. إلا أنه وفي تطوّر بارز قد يحمل معاني مختلفة عما هو سائد حاليا من موافقة بولندا على نشر الدرع على أراضيها، أعلن رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك في 23 مايو أن وارسو وواشنطن تختلفان في تقويم العواقب الأمنية الناتجة من نشر عناصر من الدرع الصاروخية على أراضي بلاده. وقال: «ولهذا نجري مفاوضات لتعزيز أمننا فعليّا». وأضاف: «لكن للأميركيين تقويما مختلفا لآثار الدرع على أمننا، ولهم وضع جغرافي مختلف عن بولندا».

وكرر تاسك أن بلاده لن تستقبل عناصر الدّرع إلا في حال حصولها على ضمانات بتعزيز أمنها، ولهذا أعلن في الرابع من يوليو الجاري أنّ بلاده رفضت عرضا أميركيا لرفع كفاءة دفاعاتها الجوية، رغم أن وارسو لاتزال مستعدة لإجراء مزيد من المفاوضات مع واشنطن بشأن الدرع.

تغيير نحو الأفضل

وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» في 19 أبريل الماضي أن المعركة السياسية بشأن المنظومة الصاروخية المضادة للصواريخ «قد تغيّرت نحو الأفضل»، في حين لايزال الأعضاء الديمقراطيون يعترضون على استراتيجية البحوث والتطوير المتعلقة بأنظمة الدفاع المتمركزة في الفضاء، حتى مع اختبار الصين لأسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية من دون سابق إنذار، ومع ذلك، فإن كانت المنظومة الدفاعية ضرورية، من الصعب تبرير السبب وراء ضرورة أن تكون هذه المنظومة مقتصرة على الأرض، في حين أن الخطوات المقبلة قد تتطلب وجودا موسعا في الفضاء.

وبالإضافة إلى ذلك، تثار من حين لآخر مسألة نظام الليزر المحمول جوا، فالليزر الذي يهدف إلى إصابة الصواريخ وهي في مرحلة الإطلاق، قبل إطلاق أجهزة التضليل، ينظر إليه في بعض الأحيان باعتباره أمرا غير واقعي، ولكن بالنظر إلى مجموعة الاختبارات الناجحة لليزر حتى الآونة الأخيرة، والنجاح العام لتقنيّة الدفاع الصاروخي، فإن هذه الانتقادات تخسر مصداقيتها. حسب «وول ستريت جورنال».

وفي أي حال ليست هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها دولة ما أسلحتها الصاروخية الفضائية، ففي العام الماضي، اضطرت الصين الى إسقاط قمر اصطناعي معطّل للأرصاد الجوية، ما أثار يومها انتقادات دولية وقلقا في واشنطن؛ مماثل لقلق موسكو وبكين الآن، ردا على إسقاط «القمر 21» الأميركي الذي كان يهيم في الفضاء منذ عام ونيف.

حروب المستقبل

في هذا الوقت، تزداد الآن تحذيرات من وجود نوايا بقيام سباق تسلح فضائي جديد، يضاعف من احتمالات تزايد التأثيرات التي تؤكد وجود إمكانات اختلال متصاعد في توازن القوى الاستراتيجي بين الدول الكبرى، خصوصا في الوقت الذي بات يتأكد يوما بعد يوم، أن الفضاء يمكن أن يكون الساحة المحتملة لحروب المستقبل، مع ما يحمله ذلك من مخاطر وتبعات محتملة ومؤكدة على الفضاء، وما يحويه من وسائل اتصال وتواصل بين ضفاف العالم المختلفة.

لقد ذهب التشكيك ببراءة العملية الأميركية الأخيرة هذه، لا سيما من قبل روسيا والصين، إلى حد أنهما اعتبرا تلك العملية جزءا من عمليات بناء بنية عسكرية فضائية، ربما كانت في إطار إنتاج أو تجريب أسلحة ذات قدرات فضائية، ما يشجّع على الاستمرار في تجربة إنتاج صواريخ جديدة أو تطوير أخرى، وتعديلها لإسقاط أقمار دول أخرى، لاسيما أن سابقتي إسقاط القمر الاصطناعي الصيني ومن ثم الأميركي، تؤكد إمكانية استخدام صواريخ باليستية معدلة أو مصنعة خصيصا، وبالتالي تأكيد قدرة شن حرب فضائية، وفق مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي أطلقها الرئيس ريغان قبل ربع قرن من الآن.

هل هي العودة إلى برنامج حرب النجوم إذن؟

في عام 1983 وفي ذروة الحرب الباردة، وإطلاق العنان للتطرف اليميني المحافظ في الولايات المتحدة، أطلق الرئيس ريغان ما أسمي يومها «مبادرة الدفاع الاستراتيجي» أو «مبادرة حرب النجوم» ورصد لها موازنة بلغت 26 مليار دولار على مدى خمس سنوات، وتمّت التجارب عليها في أقصى درجات السرية، وما سرّب منها أن الصواريخ تستخدم الأشعة الحمراء لرصد الصواريخ المعادية وإسقاطها أو تدميرها بأشعة الليزر واللهب، وشارك في أبحاث الإنتاج علماء وخبراء من بريطانيا وألمانيا وإسرائيل.

وقد أوضح مسؤولون في البنتاغون أن الصاروخ «اس ام 3» الذي يصل ثمنه إلى عشرة مليارات دولار، صمّم لتوجيهه من الأرض، ولكن جرى تعديله لتتمكّن سفن البحرية من إطلاقه، وهو ينبغي أن يستخدم أجهزته اللاقطة بواسطة الأشعة ما دون الحمراء لإصابة هدفه بسرعة أربعة كيلومترات في الثانية.

عودة إلى التوترات

ويعيد إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش نشر شبكة الدرع الصاروخية في أوروبا، ضد ما أسماه «الدول المارقة»، التوترات القديمة التي شهدتها سنوات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، إلى سابق عهدها، لاسيما أن التشكيك الروسي والصيني جاء على خلفية إمكانية استئناف واشنطن مبادرتها الاستراتيجية تلك، واعتبارهما إسقاط القمر الاصطناعي بصاروخ، بمنزلة تجربة جديدة ضمن تجارب أخرى لإسقاط أقمار اصطناعية، خصوصا أنه قد ذكر أن الصاروخ الذي استخدم في «الهجوم الفضائي» الأميركي، كان احدى النسخ الأخيرة من سلسلة بدأت التجارب عليها منذ عام 2002، واستهدفت سابقا اعتراض صواريخ استراتيجية قصيرة أو متوسطة المدى.

وكانت روسيا والصين اقترحتا مطلع شهر فبراير هذا العام، معاهدة لحظر الأسلحة في الفضاء أو التهديد باستخدام القوة ضد الأقمار الاصطناعية أو غيرها من المركبات الفضائية، لكن واشنطن، وفق «نيويورك تايمز»، رفضت الاقتراح بحجة أنه «غير عملي»، وأنها تفضّل عوضا عن ذلك «بذل مساع لبناء الثقة». إلا أن بكين وفي أعقاب العملية الأميركية يوم 21 فبراير، ذكّرت باحترام وجدّية واجبات واشنطن الدولية بتفادي أي إضرار محتمل بأمن الفضاء،

وذهبت روسيا بعيدا في التشكيك بأن تدمير القمر جزء من «ترتيبات عدائية هدفها إحياء سباق تسلح جديد في الفضاء»، بينما كانت وزارة الدفاع الروسية أعربت مرارا عن اقتناعها بأن العملية الأميركية قناع لتجربة الصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية، وبالتالي فإن نجاح تدمير القمر الاصطناعي، قد يزيد من دوافع واشنطن لعدم توقيع اتفاق أو معاهدة لعدم نشر أسلحة في الفضاء.

وفي ظل معطيات الحرب الباردة الجديدة على اختلاف أشكالها ومظاهرها، لا يستبعد أن تشمل عمليات سباق التسلح القائمة والمحتدمة منذ فترة، وتحديدا منذ أن قررت موسكو استعادة موقعها القطبي في النظام الدولي، إنتاج أو التعاطي مع أسلحة لها قدرات فضائية، لاسيما أن بعض الأسلحة الباليستية قد أثبتت جدواها فضائيا، عبر نجاحها في تدمير أقمار اصطناعية. وإمكانية استخدامها أو تطويرها أو تعديلها؛ إمكانية قائمة فعليا لدى كل من روسيا والصين والولايات المتحدة؛ وربما لدى جهات دولية أخرى.

رفض الدرع

ومجدّداً وفي موقف روسي-صيني لافت أثناء زيارة الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف إلى بكين في 23 مايو، جدّدت الدولتان رفضهما خطط واشنطن نشر درع صاروخية في شرق أوروبا، باعتبار ذلك انتهاكا للتوازن الاستراتيجي والاستقرار الإقليمي والدّولي، وانتقدتا سياسات توسيع الأحلاف العسكرية.

وشدّد البيان المشترك على معارضة البلدين خطط واشنطن لنشر أسلحة في الفضاء الخارجي، كما تضمّن تأكيداً لضرورة استخدام الوسائل السياسية لحل المشاكل المتعلّقة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. ودعا إلى إصلاح الأمم المتحدة، نظرا إلى دورها المحوري في القضايا الدولية، وعدم وجود بديل منها لضمان السلام في العالم.

ضم إسرائيل

وعلى هامش الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي في الذكرى الستين للنكبة، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في 16 مايو أنه، وخلال لقاء الرئيس بوش برئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزير دفاعه ايهود باراك، وافق الرئيس الأميركي على ضم إسرائيل إلى نظام الإنذار المبكر من الصواريخ الباليستية لدى إطلاقها من أي موقع في أنحاء العالم، على أن تحصل إسرائيل في ضوء ذلك على جهاز رادار ضخم ومتطور جدا، يعرف باسم «إكس باند»، ويستخدم أشعة نابضة قوية من أجل التتبع الدقيق لأهداف في الجو؛ مثل صاروخ قد يحمل رأسا كيماويا أو نوويا أو جرثوميا، وبإمكانه تتبع هدف في حجم كرة البيسبول من مسافة حوالي 4700 كيلومتر، ويرتبط هذا النظام للإنذار المبكر بأقمار التجسس الاصطناعية الأميركية التي تراقب أيضا إيران على مدار الساعات الـ24.

الاستخدام السلمي

إن استخدام الفضاء لغايات سلمية بات ضرورة عالمية عاجلة، تشترك فيها كل دول العالم على اختلاف أنظمتها وتفاوت درجات تطورها، ما يحتم الحفاظ على توازن فعلي للقوى الاستراتيجية بين الدول الكبرى «المنتجة» للأزمات الكونية، التي يذهب تنافسها على الدوام إلى حد خلق اختلالات دائمة في معطيات التطور اللامتكافئ، ليس في ما بين الشمال والجنوب فحسب، بل في ما بين الشمال والشمال والجنوب والجنوب كذلك.

من هنا ضرورة تثبيت مفهوم الاستخدام السلمي للفضاء، ولذلك لابد من التوصل إلى معاهدة تمنع تطوير أسلحة تساهم في حروب الفضاء أو تنحو نحو عسكرته. وآجلا أم عاجلا لابد من ابتداع أساليب مراقبة الأضرار القائمة أو المحتملة في الفضاء الخارجي، من جراء ممارسات العسكرة التي ترتكب بحق الفضاء. فضاؤنا الأوحد في عالم يتفق على أنه لا فضاء له ولا سقف سوى هذا السقف الذي ينبغي أن نراه بعيون مكتملة، صافية صفاء شموسه وأقماره وكواكبه المنيرة، قبل أن تطفئها تجارب العسكرة وعسكريتاريا الأطماع التنافسية.

* كاتب فلسطيني