في لحظة تأمل، جالت في بالي خاطرة ماذا لو كان الغد هو آخر يوم في حياتي، ما تراني كنت سأفعل؟ أخذت أقلب أفكاري، فأستذكر أخطائي ومواطن تقصيري وكيف يجب أن أعالجها تارة، وأحصر آمالي وطموحاتي التي لم تصل حتى الآن إلى مرساها تارة أخرى. وجدتني أتنازل وبكل سهولة عن كثير مما يستحوذ على أغلب وقتي ويشغل جُل تفكيري، وأتجه إلى أمور أخرى لم تكن في صدارة اهتماماتي، فأصبح الكثير من المهم لا يعني لي شيئا، وصعد كثير من المؤجل إلى أعلى سلم الأولويات!

Ad

وأنا في غمرة الأفكار، أقلِّبها على وجوهها، قمت بتوجيه السؤال نفسه عبر الهاتف النقال إلى مجموعة من معارفي وأصحابي، فكتبت: ماذا كنت ستفعل لو علمت أن الغد هو آخر يوم في حياتك؟! وضغط زر الإرسال!

كثير ممن وصلته الرسالة التزم الصمت ولم يُجِبْ، ولعل بعض هؤلاء قد وجد في الفكرة فألاً سيئاً، فالموت هو الحقيقة التي يراها أغلب الناس كالخيال، أغلبنا يرى الموت يأخذ الناس من حوله، لكنه لا يتخيل أن يأتيه! لكن الموت سيبقى أحق الحقائق، وغدا سيموت آلاف الناس على هذه الأرض وسيرحلون، ولا أحد منّا يمكنه أن يجزم بأنه لن يكون منهم، وعدم التفكير في الأمر لن يغيِّر من المسألة شيئاً.

إجابات كثيرة وردتني، بعضها لم يخلُ من طرافة، وبعضها كان بليغاً جداً، وما بين الطرافة والبلاغة، بقيت الحقيقة ماثلة بأن الجميع سيقوم بشيء يختلف عما ينشغل به الآن. واحد أو اثنان قالا إنهما لن يفعلا شيئا مختلفا، وهذان إما أنهما على درجة عالية من الثقة بحسن مسيرتهما، وإما أنهما عجزا عن التفكير في كيفية التصرف في مثل هذا الموقف.

أغلب من أجابوا قال إنه سيهرع إلى التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وبعضهم تذكر والديه فقال إنه سيقضي الوقت معهما يطلب رضاهما، وصديق قال إنه سيذهب إلى مَن أخطأ بحقهم كلهم ويعتذر منهم، وأخت قالت إنها ستقضي الوقت في الصلاة والدعاء بأن يخفف الله عنها سكرات الموت والحساب، وأخ قال إنه سيقضي وقته في قراءة القرآن لأنه يأتي شفيعا لأهله، وشخص رائق جدا قال إنه سيأخذ جلسة مساج، ومن ثم يمضي بعض الوقت مع أحبائه، ويأكل وجبة لذيذة ويتفرج على فيلم جميل، ثم ينهي نهاره بقراءة القرآن والدعاء وينام مبتسماً بعد أن يأخذ حبة مخدرة حتى لا يفكر كثيراً!

حسناً، ماذا أريد من كل هذا؟ كما قلت سابقا، لا أحد يعلم متى سيموت، ولا أحد يدري لعله أول الراحلين صباح الغد، فلماذا جميعنا في هذه الغفلة يا ترى؟

ما دمنا سنهرع إلى الله، وإلى والدينا، وسنعتذر لمن أخطأنا في حقهم، وسنقضي وقتاً سعيداً مع مَن نحب، إن نحن علمنا أن الغد هو آخر أيامنا، فلماذا لا نقوم بذلك من الآن ما دام من المحتمل أن يكون الأمر كذلك؟!

إنها دعوة لأن نراجع أنفسنا، ونعيد ترتيب حياتنا، ونعيد النظر في أولوياتنا ومشاغلنا، حتى نكون مستعدين للرحيل بقلوب أكثر رضا واطمئنانا بما قدمناه في هذه الحياة.

تمنياتي للجميع بطول العمر، وبالحياة السعيدة الراضية المطمئنة، المليئة بالحب والنجاح الفرح.