هذا هو السبب!
الشجار الذي شهده البرلمان الأردني، الذي كان يعقد آخر جلسات دورته العادية الأولى لهذا العام، بالإمكان اعتباره دلالة حيوية وتعبيراً ساخناً عن الديمقراطية، مثله مثل ما حدث في البرلمان الياباني، وفي البرلمان الإسباني في فترات سابقة، لو أنه لم يأت في سياق ما جرى على هوامش الهبَّة الشعبية الأردنية تضامناً مع الشعب الفلسطيني في غزة، واستنكاراً للعدوان الاسرائيلي الغاشم على هذا الجزء من فلسطين.كانت هذه الهبَّة استجابة شعبية سهلت لها الحكومة الأردنية كل وسائل التعبير والنجاح، وشارك فيها الشعب الأردني بكل فئاته ومكوناته الاجتماعية، وكان دور الأحزاب والنقابات «المتحزبة» ثانوياً وهامشياً، لكن وكالعادة فقد سارع الإخوان المسلمون لركوب هذه الموجة الوطنية، ورفع أعلامهم فوق مسيرات المتظاهرين وإغراقها بشعاراتهم وهتافاتهم، وإظهار أن ما جرى جاء تحدياً للأردن كدولة وكنظام، وأنه يدل على قوتهم ومقدرتهم السياسية والتنظيمية.
والمستغرب أن كل هذا جرى، بينما العلاقات بين الإخوان المسلمين والدولة الأردنية كانت تمر بفترة ما يمكن اعتباره شهر عسل، جاء في أعقاب تباعد وسوء تفاهم السبب الرئيسي لهما ليس الاختلاف في وجهات النظر على الشؤون الداخلية والبرامج الحكومية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وإنما بإبعاد قادة «حماس» ومن بينهم خالد مشعل عن الأردن، على خلفية عدم احترامهم سيادة البلد الذي يستضيفهم، وتدخلهم في الشأن الداخلي الأردني والمس بأمنه الوطني. لم يحترم الاخوان المسلمون فترة شهر العسل هذه، وهم لم يحرصوا على إدامتها وإطالتها، بل بادروا إلى الارتداد عليها بمجرد بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة تحت إحساسهم بأن الأردن غدا في موقع الدفاع عن كيانه ونظامه، وأنه عليهم أن ينتقلوا إلى مواقع الهجوم، وأن يضاعفوا الضغط عليه ويحرجوه برفع الشعارات التي كان عممها تنظيمهم العالمي حتى قبل أن يبدأ هذا العدوان، وهي ذات الشعارات التي اعتمدتها قمة الدوحة «الناقصة»: «سحب مبادرة السلام العربية، وقطع العلاقات مع إسرائيل، وإلغاء معاهدة وادي عربة ومعاهدة كامب ديفيد».لقد تعرض الأردن إلى ما تعرضت له مصر ودول عربية أخرى فهمُّ الاخوان المسلمين لم يكن غزة، ولا الانتصار للشعب الفلسطيني في غزة، وإنما تنفيذ المخطط الإيراني الذي كان أعد سلفاً بالتفاهم بين «التنظيم العالمي» ودوائر الولي الفقيه في طهران، الداعي إلى إغراق دول العرب المعتدلين في الفوضى غير الخلاقة، وشطبها من معادلة المنطقة، تهيئة للمفاوضات المقبلة مع الإدارة الاميركية الجديدة حول أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.إنها ليست المرة الأولى التي يسعى فيها الاخوان المسلمون إلى تسويق أنفسهم سياسياً، من خلال المطالبة من تحت قبة البرلمان بإلغاء معاهدة وادي عربة، مع ان هذه المعاهدة كانت أُقرت وأصبحت قانوناً بأكثرية برلمان سابق كانوا يشاركون فيه، وهذا يؤكد أن هدفهم من هذه المطالبة الجديدة هو الاستمرار في ركوب موجة غزة، لتحسين مواقفهم، وفرض تراجعات جديدة على الحكومة الأردنية، إذ إنهم يعتقدون أن الأردن بات يمر بفترة ارتباك وضعف يجب استثمارها، وفرض المزيد من التراجعات عليه.