وجهة نظر : أين السينما المصريّة من الأدب؟ (1-2)

نشر في 28-09-2008
آخر تحديث 28-09-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين بدأ الحديث أخيراً في السينما المصرية عن الاستعداد لتقديم أفلام مأخوذة عن روايات من الأدب المعاصر، بينها فيلم عن رواية «عصافير النيل» لابراهيم أصلان وسوف يخرجه مجدي أحمد علي، وفيلم عن رواية لبهاء طاهر وآخر عن رواية لإبراهيم عبد المجيد.

نرجو أن يمثّل ذلك اتجاهاً واضحاً وحقيقياً في المستقبل، فقد انقطعت السينما المصرية عن التعامل مع الأدب طويلاً، وهي خسرت بذلك كثيراً! وقد اشتهرت بداية مبكرة في السينما المصرية بالاقتران برواية مبكرة أيضاً في الأدب المصري والعربي هي «زينب»، تأليف د. محمد حسين هيكل، والتي تعدّ باكورة الإنتاج الروائي العربي بالمفهوم الحديث العالمي لفن الرواية، وقد أخرج رائد السينما المصرية محمد كريم فيلم «زينب» مرة صامتاً ومرة ثانية ناطقاً، وكان ذلك الفيلم ميلاداً للعلاقة بين السينما المصرية والأدب، وبدايةً لتاريخ العطاء المتبادل بين الفن السابع والفن الساطع!

نلاحظ أنه كان من أبرز اتجاهات السينما وتوجهاتها في الستينات من القرن العشرين في مصر، تقديم نسبة ملحوظة من الأفلام المأخوذة عن الأدب، والحق أن السينما المصرية في الخمسينات وبصورة أخص في الستينات شهدت ازدهاراً غير مسبوق، ولا ملحوق حتى الآن، للصلة والتواصل بين السينما والأدب.

شاهدنا في تلك الفترة أكثر ما قدمته السينما المصرية من أفلام عن أعمال أدبية، لأقطاب الأدب المصري، وفي مقدمهم طه حسين («دعاء الكروان»)، ويحيى حقي («قنديل أم هاشم»، «البوسطجي»)، وتوفيق الحكيم («يوميات نائب في الأرياف»، «الأيدي الناعمة»)، ونجيب محفوظ («بداية ونهاية»، «القاهرة 30»، «خان الخليلي»، «زقاق المدق»، «الثلاثية»، «السمان والخريف»، «الشحاذ»، «دنيا الله»...)، وإحسان عبد القدوس («أنا حرة»، «لا أنام»، «الطريق المسدود»، «في بيتنا رجل»، «لا تطفئ الشمس»، «الوسادة الخالية»، «البنات والصيف»...)، ويوسف السباعي («رد قلبي»، «بين الأطلال»، «إني راحلة»، «أرض النفاق»...)، ويوسف إدريس («الحرام»، «العيب»)، وفتحي غانم («في بيتنا رجل»، «الجبل»...)، ولطيفة الزيات («الباب المفتوح»)، وعبد الرحمن الشرقاوي («الأرض»)، وعبد الحميد جودة السحار («أم العروسة»)... وثمة أمثلة وأفلام أخرى أُنتجت في تلك الفترة.

ثمة أفلام كان يزمع على إنتاجها القطاع العام، الذي أنتج أكثر تلك الأفلام، لكن قرار السلطة الجديدة بعد رحيل جمال عبد الناصر في 28/9/1970 بإلغاء القطاع العام في السينما، والصادر خلال عام 1971، أوقف مشروعات أفلام مهمة مثل «الأيام» للدكتور طه حسين، و»قرية ظالمة» للدكتور حسين كامل، وبينها رواية «طفي سبيل الحرية» التي كتبها جمال عبد الناصر واستكملها الأديب عبد الرحمن فهمي وغيرها.

إذا كنا نذكر كل تلك الأمثلة، والتي أنتجت في حقبة واحدة، ويعد معظمها من ثمار قطاع الدولة للإنتاج في السينما وتوجهاته، فإننا إذا بحثنا عن أمثلة مهمة في الحقبة التالية (السبعينات) نجدها نادرة، خصوصا فيلم «السقا مات» الذي أخرجه صلاح أبو سيف عن رواية يوسف السباعي بالعنوان نفسه، وفيلم «أبناء الصمت» الذي أخرجه محمد راض عن رواية مجيد طوبيا بالعنوان نفسه، وهما في اعتبارنا أحسن أفلام ذلك العقد إلى جانب أفلام يوسف شاهين وفيلم كمال الشيخ «على من نطلق الرصاص؟» وهي أفلام لا يوجد بينها ما أُخذ عن أعمال أدبية.

غرقت السينما المصرية في السبعينات وما بعدها في الأفلام التجارية الضحلة، والتي أطلق عليها أفلام المقاولات التي تمثل أردأ مستويات السينما، وأخيراً سيطرت منذ منتصف التسعينات تقريباً وإلى ما قبل عام أو كادت تنفرد، أفلام الترفيه بالضحك للضحك بنجومها (المضحكين الجدد)، وتلك كلها مناخات وأنظمة سوق وإنتاج وتوزيع ونجوم، لا تساعد في تقديم أفلام تستند إلى الأدب وتستفيد من إبداعاته وثقافته وقوة الدراما فيه، بل لا تساعد حتى في تقديم أعمال فيها جدية وتحترم المشاهد.

لكن شهدت فترة الثمانينات خصوصا ازدهاراً بالغ الأهمية والتميز، بظهور مجموعة المجتهدين المجددين الذين قدموا سينما واقعية شعرية وسينما ذات أفق جديد بكل معنى الكلمة (بشارة ـ خان ـ الطيب ـ عبد السيد ـ الميهي ـ شبل..)، أضف إليهم علي بدرخان، الذي يعد «أهل القمة» و»الجوع» أنضج أفلامه وأحسنها، وهما من الأفلام المأخوذة عن الأدب وكلاهما عن أدب نجيب محفوظ. لكن هذه المجموعة من المبدعين اتجهت في مرات قليلة بل نادرة إلى الأدب، واعتمدت على سيناريوهات كُتبت مباشرة للسينما، ونذكر من تلك المرات («الطوق والأسورة» لخيري بشارة عن رواية يحيى الطاهر عبد الله ـ «الحب فوق هضبة الهرم» و»قلب الليل» لعاطف الطيب عن روايتين لنجيب محفوظ ـ وللمخرج داود عبد السيد «الكيت كات» عن رواية «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان و»سارق الفرح» عن قصة خيري شلبي ـ كذلك قدم رأفت الميهي فيلم «قليل من الحب كثير من العنف» عن رواية فتحي غانم)... تلك كلها من أحسن أفلام هذه الكوكبة النابهة. كذلك قدم في الثمانينات الرائدان صلاح أبو سيف ويوسف شاهين فيلمين عن أعمال الأدب، أخرج الأول «طاليوم السادس» عن رواية أندريه شديد وأخرج الثاني «المواطن مصري» عن رواية ليوسف القعيد...

وللحديث بقية.

back to top