ازدواجية المعايير مشكلة متأصلة سواء على الصعيد الشخصي أو العام، وفي كل المجالات سواء المهنية أو السياسية أو الاجتماعية، ورغم شكوى الجميع من ازدواجية المعايير، فإننا، جميعاً، مذنبون بهذا الازدواج بشكل أو بآخر. فنحن كثيراً ما ندّعي ما لا نفعل، ونطالب الآخرين بالتمسك بالمبادئ، ونكون أول من يخترقها عندما تسنح الفرصة، والكل للأسف يجد مبرراً لنفسه لممارسة هذه الازدواجية.

Ad

المحكمة الدولية كانت ملاذنا عندما غزا صدام الكويت، وكانت «مكة» ملاذ العرب والمسلمين كلما تعرض الفلسطينيون لاعتداء إسرائيلي، وكأي محكمة أخرى القانون والعدالة في المحكمة الدولية ليسا مترادفين. فأحيانا تحكم في مصلحة المظلوم كما حدث في رواندا والبوسنة، وفي كثير من الأحيان تفشل «لعدم كفاية الأدلة»، مثلما حدث أخيراً في محاكم الكويت.

وانتقاد قرار التوقيف الدولي الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير لهو مثال صارخ لازدواجية معاييرنا، فالمحكمة الجنائية الدولية أنشئت- حسب نظامها الأساسي- «بموجب معاهدة دولية، وهي مكملة للمحاكم الوطنية غير القادرة أو غير الراغبة في مقاضاة مرتكبي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية». بمعنى أن الأولوية للمحاكم الوطنية كي تنفذ العدالة. ولكن في حال فشلها- أو تواطئها- لابد للمحكمة الدولية أن تحاول أن تنتصر للإنسانية أينما كانت، وهذا ما حدث تماماً في السودان ومع النظام العسكري فيها.

فالمحكمة الدولية تولت قضية دارفور بعد فشل المحاكم السودانية في إدانة أي من المحركين الرئيسين للتطهير العرقي والتهجير القسري في دارفور، وقرارات المحكمة مبنية على أدلة وبراهين استغرقت أكثر من خمس سنوات في جمعها وتحليلها، وفي كل الحالات، فإن للمتهمين، بمن فيهم الرئيس السوداني، كامل الحق في الدفاع عن أنفسهم وتعيين ما يشاؤون من محامين لمصلحتهم، وهي عملية تحدث أمام أنظار العالم بشفافية لا مجال فيها للمؤامرة «الصهيونية» ولا علاقة لها «بسيادة الدولة»، كما يدّعي البشير ومن ناصره.

لا يمكننا أن نلجأ إلى المحكمة متى ما احتجنا إليها، ثم نطعن في نزاهتها متى ما اختلفنا مع رؤيتها، فهذه الازدواجية في المعايير هي التي تفقدنا مصداقيتنا أمام العالم، وتقضي على أي تعاطف يمكن أن نحصل عليه لقضايانا الحقيقية والعادلة.