الجدولة قادمة... بإذن الله!
المواطن الكويتي يا جماعة إنسان غريب عجيب، حين لا يكون طرفاً في مشكلة تخص المال العام من قريب أو بعيد، يتفلسف، ويتمنطق، ويدَّعي الحرص والخوف على مستقبل البلد المالي والاقتصادي والاجتماعي، ويحلف بأغلظ الأيمان أن قلبه وروحه على هذا المال العام، وأن من واجبه أن يحميه من الضياع والصرف الذي في غير محله، لكن ما إن يصيبه من الضرر جانبا حتى ينقلب 180 درجة و«يلحس» كلامه كلمة كلمة، وحرفا حرفا!حين أقرأ هذا الكم الهائل من المقالات لبعض الكتاب في الصحف اليومية، وأرى هذه الفزعة النيابية «المخملية» لبعض النواب من أجل أن تصحح الحكومة أوضاعهم المالية الآخذة في التدهور يوما بعد يوم، أتساءل متعجبا أين كانت هذه الأقلام والأصوات حين كان الناس البسطاء يتوجعون من مديونياتهم «السهلة» غير الصعبة بالمرة، والتي تضخمت بغير وجه حق من قبل البنوك بعيدا عن رقابة البنك المركزي الذي وقف يتفرج وكأن الأمر لا يعنيه على الإطلاق!
يا سبحان الله... الآن تبدلت الأوضاع تماما وانعكست الأدوار، وأصبح الحريصون «سابقا» على المال العام هم المطالبون بتبذيره على مديونياتهم وأسهمهم المنهارة، ولم يعد يعنيهم في كثير أو قليل المستقبل المالي والاقتصادي للبلد، فالمهم الآن هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما أسموه بـ «مدخرات المواطنين» وطبعا معروف للجميع مَن هم المواطنون المعنيون بالأمر؟ وما هي مدخراتهم التي يطالبون الدولة بالحفاظ عليها؟!بالأمس كانوا يعتبرون اقتراحات بعض النواب بإسقاط أو جدولة أو شراء مديونيات المواطنين «فسفسة» و«بعزقة» للمال العام، وكانت مطالبات المواطنين البسطاء بإنقاذ وضعهم المالي المتدهور الذي لم يعد يسد رمق أبنائهم، بل أصبح يهدد أمنهم وأمن الوطن الاجتماعي بمشاكل لا حصر لها، كانوا يعتبرون مثل هذه المطالبات مجرد «دلع زائد» لمجموعة من المقترضين الذين اقترضوا من أجل السفر في الصيف، أو «الكشخة» بسيارات جديدة و«التفشخر» على خلق الله! واليوم، يأتون بكل بساطة مطالبين الحكومة بأن تنقذ هذا التاجر أو ذاك من المقربين والمحبوبين والحبوبين أيضا، وأن تدفع من المال العام للوطن والمواطنين ما يسند ظهورهم ويفتح لهم أبواباً جديدة واسعة للثراء والغنى على حساب المال العام، مهددين الحكومة بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن لم تهب لنجدتهم وتتحمل خسائرهم، ومنذرين إياها بأن أي تأخر في عملية الإنقاذ هذه سينتج عنها انهيار تام للاقتصاد وللمجتمع ولمستقبل البلد بأسره! أيها السادة الأفاضل، إن ما يحدث اليوم من فزعات نيابية وحملات صحافية شرسة لحض الحكومة على التدخل السريع لإنقاذ بعض كبار «الهوامير»، هي نسخة كربونية لتلك التي شنها بعض المستفيدين من قضية المديونيات الصعبة، ونجحوا حينها في إقناع الحكومة بشراء مديونياتهم المليارية بمجرد أن يعلنوا إفلاسهم «ويا دار ما دخلك شر»! والتوقعات، في أغلبها، تشير إلى أن الحكومة أقرب إلى تلبية مطالب القوم والحرص على عدم «زعلهم»، ولأنه من أجل عين تكرم ألف عين، فهناك «احتمال» كبير جدا بأن تعيد الحكومة جدولة قروض المواطنين «المشاغبين» الذين «تفشخروا» بعدة آلاف من الدنانير، واشتروا نظارات «شانيل» وأقلام «كارتير» لأنها كالعادة لا تريد «عوار الراس» وصراخ البعض، فأبشروا أيها الكادحون المرابطون على جبهات الصبر، فالجدولة قادمة بإذن الله!أما المواطنون الراكدون العقلاء، الذين لا يحبون المغامرات ولم يدخلوا البورصة ولم يقترضوا، فلهم الله... هو وحده من سينصفهم، فقد اعتادوا على عقاب الحكومة لهم على التزامهم وعقلانيتهم، ألم تعاقبهم من قبل على دفعهم لفواتير الكهرباء والاتصالات أولا بأول؟! إذن لا جديد فليتحملوا وليصبروا على ما ابتلاهم الله به!