«الزرادية» أحد أسماء الدلع لـ«الچلابتين»، وهو اسم فريقنا لكرة القدم عندما كنا صغاراً، أذكر أننا اتفقنا على اختيار هذا الاسم كرمز للقوة والصلابة التي يتمتع بها فريقنا آنذاك عندما كانت جميع الفرق تهابنا، وكنا نهزمهم بالثلاثة والأربعة حتى بتنا «بعبعاً» لجميع فرق المنطقة.

Ad

فريقنا كان يتميز باللعب الجماعي واعتماد أسلوب الكرة الشاملة، أما علاقتنا كجمهور باللاعبين فهي أشبه بأفراد الأسرة الواحدة، حتى أننا كنا نطلق الألقاب على أعضاء الفريق، فكنا نسمي خط الوسط بخط «الإخوان» لوجود ثلاثة أشقاء في هذا الخط، ونلقب أحد المهاجمين بـ«السلف» نسبة إلى مشغل السيارة لأنه كان كثير الكلام، وكنا معجبين جداً بأداء «ليبرو» الفريق الذي كان يتصدى لهجمات المنافسين على مرمانا.

خلال الخمس عشرة سنة الماضية تبدلت أحوال الفريق بعد أن اعتزل بعض اللاعبين، وانتقل آخرون إلى مناصب إدارية وفنية في النادي، إضافة إلى تغيير مراكز عدد من اللاعبين بمن فيهم من يحمل شارة «الكابتن» إثر تدخلات بعض أعضاء الشرف.

«الإخوان» الثلاثة افتتحوا بقالة في نهاية الشارع وانشغلوا بإدارتها وبمصالحهم الخاصة، فباتوا يتغيبون عن التدريبات وبعض المباريات المهمة، أما المهاجم «السلف» فلم يعد يتحدث كما في السابق والتزم الصمت، وأصبح من «البيت» إلى «المسجد»، بينما هبط مستوى النجم «الليبرو» فلم يعد يتصدى لهجمات المنافسين، بل إنه سجل أحيانا في مرمانا بطريق الخطأ!!

مع هذه المتغيرات كان من الطبيعي أن يفقد فريق «الزرادية» ميزة اللعب الجماعي، حيث بدا الأسلوب الفردي طاغياً على الأداء، وهو ما أدى إلى بروز ثلاثة لاعبين فقط في الفريق، وبات الاعتماد عليهم كلياً، وقتها كثرت المشاكل والصدمات وأصبحت أجواء عدم الثقة سيدة الموقف.

أحد اللاعبين الثلاثة اسمه «حمد» يجيد مراقبة الخصم واللعب بطريقة رجل لرجل، كان مدافعاً صلباً لا تفوته شاردة ولا واردة، يتميز بانضباطه وحضوره التمارين والمباريات حتى التجريبية منها، لا أذكر أنه تغيب عن أي مباراة بداعي السفر أو الإصابة، عدا مباراة واحدة بسبب إصابة تعرض لها عندما اصطدم «ظهره» بعارضة المرمى وهو يشتت الكرة قبل ولوجها إلى شباكنا، وحتى عندما ارتطم بالعارضة لم يسقط، بل غادر إلى غرفة تلقي العلاج «شامخا».

اللاعب الآخر يدعى «باسم» لا يملك المهارة لكنه يملك الحظ، كان يجامل الإدارة وكثيراً من أعضاء الفريق لضمان شارة «الكابتن»، وعند كل أزمة بين اللاعبين يحاول التحرك، لكن تحركه يأتي متأخرا في الأغلب، فينجح أحيانا في تقريب وجهات النظر، ويخفق في أحيان أخرى بسبب خصومات سابقة مع «نجوم» الفريق.

أما «نادر» وهو اللاعب الثالث، فهو طيب القلب ويحظى باحترام ومحبة كل أعضاء الفريق، لكن تدخلات إدارية خارجية أفسدت علاقته مع الجميع، فأصبح يفضل الابتعاد عن أجواء المباريات، خصوصا الحاسمة منها، فيما يبدو أنه شعور باليأس والإحباط بدأ يتسلل إليه فساءت علاقته مع لاعبين مؤثرين في الفريق.

هذه الخلافات بين الثلاثي أثرت في نتائج ومستويات فريق «الزرادية»، وأصبحنا نتلقى الهزيمة تلو الأخرى بسبب تلك الخلافات.

ذات يوم قال لاعب جديد انضم حديثا إلى التشكيلة الأساسية إن إعفاء «الثلاثي» وإجبارهم على الاعتزال هو السبيل الوحيد لإعادة الفريق إلى سابق عهده.

وبعد إطلاق هذه الدعوة استدعت الإدارة جميع اللاعبين والإداريين والأجهزة الفنية، وحضرنا كجمهور هذا الاجتماع للنظر في دعوة الاعتزال، يومها وأمام الجميع تحدث «شعيب» وهو أكبر المشجعين سناً، وقال: «اللاعب حمد مازال قادراً على العطاء، فهو الوحيد من أعضاء الفريق الذي اكتشف الأخطاء الإدارية في مباراتنا مع فريق شركة الاتصالات الثالثة، عندما أشركوا لاعباً لديه إنذاران، فكسبنا المباراة، وهو من نبهنا إلى إشكالية جمع الأصوات في انتخابات مجلس الإدارة، وهو من عارض إقامة محطة البنزين «الرابعة» كونها ستقام على أملاك النادي، فالرجل مازال قادراً على اللعب، أما من ليس لديه القدرة على العطاء فليعتزل، وهذا رأينا كجمهور».