الذئب الأمعط، هو الذئب الجريء الجسور، الذي لا يخاف ولا يتردد أبدا، ولا يثنيه عن نيل مراده شيء، مستعينا بشجاعته الفريدة والحذرة على الدوام، فلا ترهبه الأصوات، ولا تخيفه التهاويل، وهو سريع البديهة، كثير الصيد، ذو حنكة ودهاء في كل خططه وتحركاته التي يتبعها في صيد فرائسه، ولذلك، شبه البدو الرجل الشجاع الداهية المقدام، سريع البديهة والخاطرة الذي لا يضيع حقه أبدا، ومن باب مدحه بـ«الذيب الأمعط»، فيقول أحدهم، إن جاء ذكر بعض أخبار فلان من الناس، وعرف بالصفات السابق ذكرها: «أنا أشهد إنه ذيب أمعط»..!

Ad

قال أحد الشعراء:

«ذيبٍ أمعط فالملازيم المهمة... لا تهاب ولا تخاف ولا ترادى»

وقال شاعر آخر:

«أبيك للعثرات كما الذيب الأمعط... تاطي برجلك هالهموم وكدرها»

وهي أبيات تأتي كما تلاحظون، في إطار المدح والثناء، وقد كان بعض الآباء حين يوصي أحد أبنائه بالحذر واليقظة والنباهة، يقول له: «خلك ذيب أمعط.. لا تاكل حقوقك الرجال»..!

الآن، تبدلت المفاهيم والقيم الاجتماعية، واختلفت المعايير الأخلاقية، فأصبحت السرقة عند كثير من الناس شطارة، والنصب والاحتيال نوع من الفهلوة، واستغلال المناصب ذكاء وانتهاز للفرص، وأصبح «من كان له حيلة فليحتل» شعار الجميع، ولم يعد لقب «الذيب الأمعط» يطلق على ذاك الذي يحافظ على حقوقه، بل على من يستولي على حقوق الناس، أو ينصب عليهم، أو يبيعهم الأوهام، أو يتصنع التدين والتقى والورع، وهو أشر الناس وأكثرهم وضاعة، ومع ذلك، ومع علمهم بحقيقته، إلا أنه يحظى بإعجابهم، وحسدهم، وتقديرهم، بل إنه يتحول الى «مثل أعلى» لكثير من الناس، ممن يطمحون للوصول إلى ربع ما وصل اليه هذا الذئب الأمعط..!

فمن استعان ببعض مظاهر التدين المصطنع، والورع الكاذب، ليصل من خلالهما الى قبة البرلمان، أو كرسي المجلس البلدي، أو عضوية الجمعية التعاونية، ويتحول بعدها بين ليلة وضحاها، من إنسان بسيط على قد حاله، الى «فحل» من علية القوم، يمتلك الأموال الطائلة والعقارات الكثيرة، ولا يتكلم إلا بالملايين، هذا «الدجال» المتلون هو «ذيب أمعط» بمقاييس بعض الناس!

ومن استغل مركزه الوظيفي الحكومي الكبير، ليستثمره في مشاريع التنفيع والاستنفاع، فيفيد ويستفيد شخصيا، من نهبه المنظم وبعيدا عن الرقابة الحكومية لأموال الدولة، هذا «اللص» ما هو إلا «ذيب أمعط» جدير بالاحترام والتقدير بنظر البعض!

ومن يقضي أيام الصيف سائحا متمتعا بجمال الطبيعة واعتدال الجو في الدول الأوروبية، دون أن يصرف فلسا واحدا من جيبه الخاص، فسياحته بالمجان وعلى حساب وزارة الصحة، حيث ابتعث للعلاج في الخارج، مع أن وضعه الصحي ممتاز، ليحل محل المرضى الحقيقيين، الذين يئنون ويتوجعون ليل نهار من الألم، هذا «المحترم»، «ذيب أمعط».. في نظر البعض!

ومن يتاجر بالإقامات، ويسرق كد وعرق عمال بؤساء، تركوا خلفهم أطفالا وزوجات جياع، بحثا عن لقمة حلال يسدون بها رمقهم، ليأتي تاجر الرقيق المعدوم الضمير، ويكون ثروته الكبيرة عبر نهب حقوقهم واستعبادهم، هذا «الحقير» ما هو إلا «ذيب أمعط» يعرف من أين يأكل لحم الكتف بنظر البعض!

ومن يجلس في بيته متمددا على أريكته الوثيرة، ليتلقى آخر الشهر راتبه «الحلال» كاملا غير منقوص، مع كل الامتيازات والمكافآت والدرجات الاستثنائية السنوية، لأن قريبه المسؤول ما قصر معاه وضبّط له الأمور كلها، هذا «الفهلوي» «ذيب أمعط» في نظر كثير من الناس!

وذئاب أخرى كثيرة، بل كثيرة جدا، ليس بالإمكان حصر عددهم، أو تحديد كل أماكن وجودهم، إنهم في كل مكان تقريبا، وفي كل ركن وزاوية من وطننا، «وطن الذئاب المعط» ولا فخر، وحين تسمع، عزيزي القارئ، من أحد الشباب الطيبين «الحاسدين» عبارة «أنا أشهد إنه ذيب أمعط» فتأكد تماما، أن هذه العبارة لا تذكر إلا بعد حدوث سرقة، أو نصب، أو اختلاس، أو تزوير، أو رشوة، أو فساد، أو أي مصيبة وداهية أخرى!