أوباما وابن الحجاج
عندما يؤمن الإنسان بتلاشي الفروق بين الأعراق والأجناس، ويدعو إلى المساواة من دون إلغاء تميز عقل وجهد إنسان عن آخر، يفرح كثيراً عندما يتحقق إيمانه في واقع الحياة، وأين؟ في المنافسة على أعلى وأقوى منصب في عالمنا اليوم. كنت أشعر بتفاؤل كبير عندما انحصر التنافس على الرئاسة الأميركية للحزب الديمقراطي بين رجل من أصول مختلطة، وامرأة.ولأن أحدهما لابد أن يفوز على الآخر في النهاية، فقد كنت أميل قليلاً جداً إلى باراك أوباما، لأن اختلاط الأعراق بالنسبة إليه ليس صفة وحيدة، ولكنها تلازمت باختلاط الأديان أيضا، لما يمثله ذلك من أرقى مستويات التسامح العرقي والديني. ورغم ضعف اهتمامي في العادة بمجريات الانتخابات الأميركية، فإنني لم أستطع تجنب متابعة خطب ومقابلات سيناتور إلينوي باراك أوباما، وهي محاولة لمتابعة أثر ذلك الاختلاط في الأعراق والأديان، وذلك الذكاء المتميز في خدمة ما اعتقدت أنها قضيته وقضيتي، أي التسامح والمساواة، فقد كان شعار حملته «التغيير» في مجتمع يعتقد أن جذوره العنصرية لم توأد.
ولكن، خاب أملي في باراك، وفي نظرته إلينا نحن العرب والمسلمين، أو المتسامحين من العرب والمسلمين، وهم أغلبية، وباتت عقدة الذنب من اختلاط الأديان في أسرته والميكيافيلية السياسية -أي الغاية تبرر الوسيلة- من صفاته الشخصية. ففي لقاء مشترك له مع مرشحي الرئاسة الأميركية، رعته منظمة «إيباك» جماعة اللوبي الصهيوني، وثاني أقوى لوبي في أميركا، قال السيناتور أوباما في مدح إسرائيل ما لم يقله أبو نواس في الخمر، ولم يتعرض لأي من مثالبها، لقد قال ما لم يقله أي من المرشحين الآخرين، وأظن أن ما قاله لم يكن يتوقعه حتى منظمو اللقاء.وفي لقاء له أخير مع لاري كنغ على قناة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية، يُسأل عن رد فعله إزاء 12% من الأميركيين ممَن يعتقدون خطأً بأنه مسلم، و26% منهم بأنه تربى في بيت مسلم. لم يقل بأنه لا عيب في ذلك، ولكنه مسيحي، وتربى على الديانة المسيحية، وهذا حقه، ولكنه نفى نفياً قاطعاً التهمتين، وبتحفز مستغرب. و«أعماها حين أراد تكحيلها»، فاستثنى من المسلمين -كما لو كانت القاعدة أن جميعهم أشرار- مسلمي الولايات المتحدة الطيبين، حسب قوله. لأنهم يصوّتون، ومن المحتمل أن يرجحوا التصويت له وفق نظرته الميكيافيلية السياسية. ويضيف في موقع آخر بأنه لابد من الاستغناء عن النفط المستورد لأن إيراداته تذهب إلى مَن لا يستحقون، وتستخدم في تمويل الإرهاب.في الطريق إلى دفن جثة والده، الحجاج الوالي الموصوم بالظلم، قرر ابنه أن يوصل جثته إلى قبره بأقصر الطرق، والخط المستقيم هو أقصرها، ولتحقيق ذلك كان لابد من هدم منازل الناس في طريق هذا الخط المستقيم بين القصر والقبر، حينها قال الناس -إن كانت الرواية صحيحة- الله يُحلل الحجاج عند ابنه، ونرجو نحن العرب والمسلمين ألا نضطر إلى القول، الله يحلل المحافظين الجدد عند باراك.