Ad

هل مشكلتنا أن عندنا مرشحين لا يتورعون عن شراء الأصوات في سبيل الوصول؟ أم أن قطاعاً كبيراً من المجتمع صار اليوم قابلاً لأن يبيع نفسه وصوته لأجل المال؟! لمَن يجب أن نوجه الملامة، لمَن وجد سلعة رخيصة تباع فاشتراها، أم مَن باع صوته وضميره في سوق الرذيلة الانتخابية؟!

في إحدى القنوات «الوطنية»، تابعت بالأمس جزءاً من ندوة لواحد من المرشحين المعروفين بشرائهم للأصوات. أقول ذلك لأنه أشهر من علم في رأسه نار في دنيا شراء الأصوات، فهو معروف في دائرته بل وفي خارجها، بل إن تسعيرته وأساليبه ووسائله، معروفة جميعها ومكشوفة بشكل متهتك حتى عند مراهقي الدائرة الذين يتداولونها عبر مسجات الهواتف النقالة، وما أن يرد ذكر موضوع شراء الأصوات فلا بد إن يأتي مقترناً باسمه، وكأنها ماركة تجارية مسجلة له!

هذا الأستاذ، وقع في شر أعماله أخيراً، و«جُرجر» إلى النيابة العامة، بعدما تم اصطياد بعض أفراد شبكته الإجرامية وهم يمارسون الرذيلة ويتعاطون المنكرات الانتخابية، أعني شراء الأصوات! لا تزال القضية في أروقة النيابة العامة، ولا أدري إلى أين ستصل، لكن ليس هذا مهماً عندي كثيراً، فالناس ليسوا بحاجة لحكم القضاء فيه، لأنهم حكموا عليه وعرفوه منذ زمن طويل.

موضوعي هو أني حين تابعت الأستاذ متحدثاً في ندوته، مرتجلاً خطبة طويلة عصماء بصوته الجهوري بأوداج منتفخة ووجه محتقن ونظرات حادة، ضرب خلالها حدود الشرق ثم عاد فلامس شواطئ الغرب، وسرعان ما ارتفع شمالاً حتى إذا بلغ مداه انحدر جنوباً، فتكلم عن الوطن والوطنية، وعن الالتفاف حول القيادة الشرعية، وعن صمود الكويتيين على اختلاف فئاتهم، وعن كيف سيسعى لنصرة قضاياهم والذود عن حقوقهم، وعن كيف أنه محسود مرصود تطارده الإشاعات للنيل منه على يد خصومه ومنافسيه، وما ترك شاردة ولا واردة إلا جاء بها وأحضرها، وأيضاً حين نظرت فرأيت جمهوره الحاشد من عشرات، بل مئات الرجال، ممن تبدو عليهم مظاهر الهيبة والوقار، بعقلهم المستقيمة والميّالة، وغترهم الحمراء والبيضاء، وبشوتهم الموشاة بخيوط الذهب، وأشنابهم الطويلة المرسلة منها وتلك القصيرة المهذبة، أو حتى المحلوقة تماشياً مع الموضة الجديدة. أقول حين شاهدت هذا كله، وجدتني أسأل نفسي ما الحكاية؟!

الأستاذ محترق مفضوح معروف بشرائه للأصوات، ومع ذلك يلتف حوله هذا الحشد الكثيف من خلق الله؟! مَن المجرم في هذه المعادلة؟ هو أم هم؟

هل مشكلتنا أن عندنا مرشحين لا يتورعون عن شراء الأصوات في سبيل الوصول؟ أم أنها في أن قطاعاً كبيراً من المجتمع صار اليوم قابلاً لأن يبيع نفسه وصوته لأجل المال؟! لمن يجب أن نوجه الملامة، لمن وجد سلعة رخيصة تباع فاشتراها، أم مَن باع صوته وضميره في سوق الرذيلة الانتخابية؟!

ما أبهرني أكثر في تلك الدقائق المعدودة من ندوة الأستاذ، قدرته الخارقة على الكذب من دون أن يرف له جفن، وقدرته على أن يقسم بأغلظ الأيمان وأن يحشر اسم الله تعالى في طيات حديثه، من دون أن يرتعش عرق صغير في وجهه! الأستاذ ليس مجرد شار للأصوات، وإنما كذاب محترف لا يتورع عن ذلك على رؤوس الأشهاد، ومع ذلك تضج القاعة بالتصفيق لما يقول!! من الكذاب الأشر هنا يا ترى؟ هو أم هم؟!

لكن العجيب فعلاً هو أمر هذا الأستاذ! يمتلك المال، والجاه، والقدرة على الكلام وحشد الناس، ومع ذلك لم يدرك بأنه لو سخّر كل هذا وعبر السنوات الماضية كلها لخدمة وطنه ودائرته ومجتمعه، لكان سيحوز حتماً على ثقة الناس ورضاهم وسيصل إلى البرلمان في نهاية المطاف، وما كان بحاجة لأن ينحدر إلى رذيلة شراء الأصوات؟!

عجيب فعلاً أمرك أيها الإنسان... وصدق الله العظيم حين قال: «خلق الإنسان من عجل»!