آخر وطن: قيس المعاصر!
الحبيب المعاصر ليس قيس ليلى، ولا جميل بثينة، ولا كثيّر عزّة... هذه حقيقة!!
قيس الذي ألهم قلوب الفتيات بشعره ومشاعره، لم يكن مثقلاً بالهموم اليومية كقيس المعاصر، بل كان يعيش حياة هادئة أقرب إلى الرتابة والملل، حياة لا تحوي الكثير من التفاصيل. يصحو قيس من نومه في الصباح الباكر ولا يجد ما يفعله سوى أن يسير خلف قطيع من الأغنام، يأخذها بعيداً عن المضارب لترعى ويعود بها عند غروب الشمس أو قبل ذلك بقليل، وخلال هذه الفترة كلها لا يجد ما يسلّيه سوى ترديد الأشعار وتخيّل قصة غرامية ما، وبعد أن يعود ربما تسامر مع بعض فتية الحي حتى يغالبه النعاس فيذهب إلى خيمة أهله ليستلقي على ظهره ويراقب النجوم في السماء حتى ينام! وتتكرر الأيام بهذا الشكل النمطي البائس والممل، وقطعاً لا شيء يكسر حدة هذه الرتابة أكثر من قصة حب!! حيث يصبح الحب ضرورة لملء الشاغر في الحياة، والشاغر في الوجدان، والشاغر في الروح، بل إن طبيعة تلك الحياة الهادئة التي لها علاقة مباشرة وحيّة بالطبيعة، تحفّز الحب وتساعده على النماء، كما أنها تثري الخيال ليصبح أرضاً خصبة للشعر! قيس بن الملوح لم يكن محاصراً بالقلق اليومي كقيس المعاصر، لم يكن يأبه بالدراسة ولا نتائج الاختبارات النهائية، ولا تنكّد عيشته «المانشيتات» التي يقرأُها صباح كل يوم في جريدته المفضلة، أو ما تتناقله وكالات الانباء عبر الفضاء من أخبار الدمار الذي يهدد العالم من حروب ومجاعات وأمراض وكوارث طبيعية، ولم يكن قيس بن الملوح معنياً بما يتراكم على كتفيه من فواتير خدمات مجبر على دفعها، إذ لا وجود لمثل هذه الفواتير لديه! لا شيء في حياة قيس المعاصر يدعو إلى الحب، ومع ذلك يحب! لا شيء في حياة قيس الحاضر يحضّ على تبادل وردة مع حبيبة أو رسالة أو لحظة رومانسية، ومع ذلك يقاتل هذا القيس للحصول على ذلك أو بعضه!! يصرّ قيس المعاصر على مشاركة ليلاه في نزهة مسائية، رغم أن أعلى نسبة وفيات في مجتمعاتنا ناتجة عن حوادث السير! يصحو قيس المعاصر صباحاً ليعمل جاهداً معظم يومه من أجل توفير بعض نقود يصرف معظمها لتسديد فواتير مكالماته الرومانسية مع ليلى أو شراء هدية لها! كانت حياة قيس بن الملوح أرضاً خصبة لاستنبات وردة الحب، أما قيس المعاصر فيحاول استنبات تلك الوردة من الصخر! الحب في حياة قيس بن الملوح كان يعطي للحياة قيمة، أما قيس المعاصر فهو من يعطي للحب قيمة في حياة لا تعترف بالحب! ما أجملك وأروعك يا قيس المعاصر، مهما أنكر البعض بهاءك!