بريطانيا العجوز... وإعجاز القضاء على المقاومة!

نشر في 07-07-2008
آخر تحديث 07-07-2008 | 00:00
 محمد صادق الحسيني

«حزب الله» اللبناني المعني هنا في مقاربتنا ليس حزباً بالمعنى التقليدي الذي تعرفه «مدنية» أوروبا والغرب القاصر عن فهم العالم «الآخر»، ناهيك عن فهم أمتنا العظيمة، وبالتالي فهو لا يملك «جناحاً» عسكرياً يعمل على انفراد، كما يتخيل الغرب القاصر، حتى تستطيع بريطانيا العجوز محاصرته أو عزله أو معاقبته.

غريب أمر بريطانيا العجوز هذه، فهي لم ترد -ويبدو أنها لن- تتعلم من التـاريخ القديم ولا المعاصر أيضاً!

فقد صرحت بريطانيا العظمى بأن الجهاز العسكري لـ«حزب الله» هو تنظيم إرهابي وينبغي بالتالي مقاطعته وملاحقته ومعاقبته!

بريطانيا هذه التي لا تعرف ما معنى أن يقرر شعب ما مقاومة الاحتلال والتصميم بكل عزم على هزيمته وملاحقة فلوله و«تكنيس» مدن الأمة وقراها و«دساكرها» الطاهرة من لوثته، كما فعل سائق الجرار الفلسطيني المقدسي الذي ينتمي إلى مقاومة الأمة «العسكرية» بامتياز، هي نفسها بريطانيا التي أرادت يوماً الاستيلاء على تبغ الدولة الإيرانية المسلمة في نهاية القرن التاسع عشر، فإذا بها تصطدم بفتوى العالم الرباني الشهير آية الله الشيرازي من سامراء العراق، والتي لم تكن سوى عبارة قصيرة تشبه الرسائل التلفونية القصيرة اليوم: «استعمال التبغ اليوم حرام»، لتشتعل الثورة على امتداد بلاد الرافدين والري (بلاد فارس) إلى أن يسقط قرار-«الريجي»- أي قرار احتكار التبغ حتى في قصر ناصر الدين شاه، ملك القاجار، عندما قامت زوجته بتكسير أعداد الأراكيل -الشيشة- كلها المتوافرة في القصر حتى لا يدخن أحد من تبغ بات حراماً، ولما استدعى الملك العظيم، الخدم والحشم حانقاً غاضباً، وعرف القصة ما تطلب استدعاء زوجته ليسألها عن سر ما قامت به، فإذا بها تفاجئه بالقولة الشهيرة : «الذي حللني عليك حرم علينا التنباك والسلام»!

لقد سمعت الكثير عن دفاعات البعض من الزملاء في حق «حزب الله» في دعم المقاومتين الفلسطينية والعراقية، وفي قول بوش إنه: «لو احتلت بلادي اليوم لفعلت ما يفعل المقاومون»! كما استمعت إلى سائر الكلام المحق والعادل في حق الشعوب في المقاومة حسب كل الأعراف والشرائع والقوانين السماوية والأرضية، ولكنني أردت هنا أن أقدم مقاربة أخرى للموضوع تتعلق بقصر نظر الطغاة والمستعمرين وسوء فهمهم وتقديرهم لطريقة تشكل الأمم والشعوب وبروز وتبلور مقاوماتها ودفاعاتها وأسلوب فعلها وانفعالها في سياق تطورات الأحداث!

فـ«حزب الله» اللبناني مثلاً المعني هنا في مقاربتنا ليس حزباً بالمعنى التقليدي الذي تعرفه «مدنية» أوروبا والغرب القاصر عن فهم العالم «الآخر»، ناهيك عن فهم أمتنا العظيمة، وبالتالي فهو لا يملك «جناحاً» عسكرياً يعمل على انفراد، كما يتخيل الغرب القاصر، حتى تستطيع بريطانيا العجوز محاصرته أو عزله أو معاقبته أو... إلخ!

إنه مجتمع كامل من المقاومة والدفاع، إنه أمة من المناضلين والمقاتلين ومن ثم أمة من المجاهدين في سبيل الله التي فيها الرجل والمرأة، والشاب كما الشيخ، والفتاة كما العجوز، والطفل كما الطاعن في السن، والمعلم كما المزارع، والفقير كما الغني، والمتعلم كما «الأمّي»، وكلٌ يقوم بجزء من مهمة الجهاد الكبيرة في إطار ماكينة الحياة التي لا تتوقف عن الفعل والانفعال في السلم كما في الحرب، وينظم سلوكها جميعاً «مرجعية» واحدة، هي التي تقول له جاهد من خلال «اقرأ» في زمن السلم، وهي نفسها التي تقول له جاهد من خلال رفع البندقية في زمن الدفاع لدفع الاحتلال... وهي نفسها التي تقول له إن الذي حللني عليك هو نفسه الذي أوجب عليّ القتال ومقاومة المحتل!

فكيف تريد بريطانيا العجوز محاصرة أو ملاحقة أو معاقبة مَن تتخيله أنه الجناح العسكري لـ«حزب الله»؟!

إنها «المعجزة» التي لا توجد إلا في مخيّلة القاصرين عن فهم أمتنا والعاجزين عن وقف حركة الحياة فيها، مهما امتلكوا من أسلحة دمار شامل تغنوا فيها، فنراهم يتغنون عند الحديث عن النفس فيما يمنعون عن النبلاء ومَن هم في قائمة أشرف الناس وأطهر الناس، أبسط وسائل الدفاع عن النفس!

إنها المفارقة «المعجزة» في زمن يُفترض أنه زمن «العقل» الغربي الرافض لتدخل الغيب، أليس كذلك؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

back to top