سيراليون تنهض مجدداً

نشر في 05-05-2009
آخر تحديث 05-05-2009 | 00:00
وسط غيوم الاقتصاد العالمي وضبابيته، علينا ألا ننسى الأسباب الأساسية التي تدعو إلى التفاؤل، فالأداء الاقتصادي الحديث لإفريقيا هو إحدى قصص النجاح التي لم تُحكَ في العصر الحديث.
 بروجيكت سنديكيت وسط الغيوم العالمية، تعطينا إفريقيا دفقة أمل وتفاؤل... وهنا، فإن شعاع الأمل يتجسد في قطاع السياحة.

لربما تفادت إفريقيا الصدمة الأساسية للأزمة المالية العالمية، لكنها لم تبرأ من تداعياتها، فالاستثمار الأجنبي يجف، وعائدات المغتربين تتراجع، والمنظمات غير الحكومية تكافح لجمع المال.

ويُشار في هذا السياق إلى أن المؤسسات الخيرية ليست سبيلاً عملياً لتحقيق النمو حتى في أحسن الأوقات، لكن صحة هذا القول زادت اليوم، فالمستثمرون المتوترون والمانحون الذين يفتقرون إلى المال على حد سواء من المرجح أن يتوقعوا مردوداً أكبر بكثير عن أموالهم. هذا إلى أن الدول النامية التي تتخطى العاصفة الاقتصادية بنجاح كبير ستكون تلك التي تملك نظرة متفائلة منطقية وطموحة إلى المستقبل، وتستطيع أن تظهر أنها جادة بشأن تطبيقها، وسيراليون التي أزورها هذا الأسبوع، وحيث يساعد فريق من «مبادرة حوكمة إفريقيا» في اجتذاب الاستثمار وتعزيز قدرة الحكومة، هي إحدى هذه الدول.

فالرئيس آرنست باي كوروما عازم على وضع حد للاعتماد على المساعدة الأجنبية، ومن خلال تنمية القطاع الخاص، يريد من سيراليون أن تشق طريقها للخروج من الفقر، فمع 57% من مواطني سيراليون يعيشون بأقل من دولار في اليوم، فإن التحدي كبير، لكن هذا ينطبق أيضاً على الفرص في النجاح التي تتنوع من الزراعة وصيد الأسماك إلى الخدمات والسياحة، فلدى سييراليون إمكانات هائلة لم تستفد منها.

فلنأخذ السياحة على سبيل المثال، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كانت سييراليون تملك قطاع سياحة مزدهراً، ثم حدث الانهيار الاقتصادي وحرب أهلية استمرت عقدا وأبعدت السياح، فذهب عدد كبير منهم إلى غامبيا المجاورة التي تجتذب الآن أكثر من 100 ألف زائر سنوياً، معظمهم أوروبيون يسعون إلى شمس الشتاء. لكن الأسس التي جعلت من سيراليون مقصداً جذاباً تبقى متينة: الشواطئ التي مازالت تحافظ على طبيعتها الأصلية، والجزر المدارية الجميلة، وصيد أسماك، ومواقع رياضة غطس ذات مستوى عالمي، وإرث ثقافي وتاريخي غني متصل بدورها في تجارة العبيد وما إلى ذلك.

ها هي سيراليون تزدهر والسياح يعودون بعد سبع سنوات على نهاية الحرب، وفي الوقت الراهن، مازالت أعدادهم قليلة، ولكن أثناء حديثي مع شركاء ومستثمرين على شاطئ لوملي في فريتاون، فوجئت بتفاؤلهم وخططهم الطموحة. فهناك فنادق ومنشآت جديدة تُبنى استباقاً للزيادة في أعداد الزائرين المتوقع مجيئهم في السنوات المقبلة.

مع وجود بوادر اهتمام قادة قطاع السياحة البارزين مجدداً في سيراليون، فلن يضطروا إلى الانتظار طويلاً، فقد قامت أخيراً دار نشر Lonely Planet بادراج اسم هذه الدولة ضمن الدول الـ10 الأبرز التي ينبغي زيارتها عام 2009، كذلك من جهتها تحضر دار نشر Bradt Travel أول دليل سياحي مخصص لسيراليون، ويُذكر أنك الآن تستطيع السفر إلى سيراليون من أوروبا مباشرة خلال 6 ساعات.

في السياق نفسه أظهرت دول أخرى خرجت من صراعات مسلحة، منها موزمبيق وراوندا، أن السياحة قادرة على أن تدرّ إيرادات تتخطى الـ100 مليون دولار، بالتالي أمام سيراليون فرصة لتلحق بركب هذه الدول مع احتمال تمكن السياحة من تخطي الإيرادات التي تجنيها البلاد من الألماس باعتباره الأكبر بين قائمة السلع المصدرة إلى الخارج.

قلة في سيراليون يتوقعون أن يحصل ذلك بسهولة، فمازال على الدولة أن تحسّن بنيتها التحتية الخاصة بالطاقة وشبكة الطرقات، أن تعالج المؤشرات الرهيبة المرتبطة بصحة الأم والطفل، وتتطرق إلى النقص في المهارات والفساد في القطاع العام، للمساعدة في تحقيق ذلك تعمل «مبادرة حوكمة إفريقيا» جنباً إلى جنب مع حكومة سيراليون.

وسط غيوم الاقتصاد العالمي وضبابيته، علينا ألا ننسى الأسباب الأساسية التي تدعو إلى التفاؤل، فالأداء الاقتصادي الحديث لإفريقيا هو إحدى قصص النجاح التي لم تُحكَ في العصر الحديث، ويُذكر أنه خلال عام 2006، تخطى الاستثمار الأجنبي وللمرة الأولى حجم المساعدات، وعلى الرغم من أن إفريقيا لن تنجو بالكامل من الأزمة المالية، فإنها مؤهلة للتعامل مع الأوضاع بشكل أفضل مما يتخيله أي شخص مقارنة بأوضاعها قبل 20 عاماً.

ينطبق ذلك إلى حد كبير في سيراليون، فمنذ سنوات قليلة كانت هذه الدولة تنفض غبار الحرب عن نفسها، لكنها اليوم، مع التزام قادتها، وتصميم شعبها، ودعم أصدقائها، أمام كل الاحتمالات للحصول على مستقبل باهر.

* توني بلير، رئيس وزراء المملكة المتحدة من 1997 إلى 2007 وهو رئيس مبادرة الحكم لإفريقيا.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top