كان موضوع حديثنا «التخلف العربي وأسبابه»، فروى لي أحد الأصدقاء ضاحكا هذه الحكاية: قال: كنت يوما مع صاحبي «المثقف» نسير بسيارته الفارهة، حين صادفنا زحام في الشارع عرفنا أن سببه حادث مروري، وتوقف صاحبي في الجادة اليسرى، وبمرور الوقت، أخذ يتململ ويتأفف من بطء السير، بينما راح بعض «المطافيق» يمرون من جانبه، مستخدمين حارة الأمان الموضوعة أصلا لتسهيل وصول سيارات الإسعاف والمرور، حاول الصديق العزيز أن يصنع صنعهم لكنهم لم يتركوا له أي فرصة، وكلما مر أحدهم من جانبه قال بعصبية «متخلف... حيوان... متخلف آخر... لا فائدة منكم عرب متخلفون... وستبقون متخلفين طوال أعماركم»، لكنه ما إن واتته الفرصة حتى تبعهم وسار خلفهم، ثم إنه فجأة أمسك بمنديل ورقي «تمخط» فيه، وفتح نافذة سيارته ثم رماه خارجا!

Ad

تجاوزنا الزحام وتابعنا المسير فقال بقرف واضح «أف...هل تعلم أننا الأمة الأكثر تخلفا والأقل نموا في العالم وعلى جميع الصعد، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويبدو أننا لن نتطور أبدا، وسنظل دائما في آخر الركب العالمي، وحتى أجل غير معلوم» قلت له «كلامك صحيح، وفي كل عام يثبت لنا تقرير التنمية الإنسانية وبالأرقام، أننا أقل شعوب الأرض علما وحرية ونتاجاً، وأكثرهم جهلاً واستهلاكا وفسادا، وهذا الوضع مستمر منذ سنوات طويلة، وهو أمر محيّر حقا، هل تصدق أن...»

رن موبايله، فرد عليه بعصبية «أنا كم مرة قلت لك يا«حيوان» يا«زبالة» لا تتصل علي... لا أريد أن أسمع منك كلمة أخرى... كل تبن و«انثبر»... تفووو عليك وعلى شكلك... أولاد آخر زمن» ثم أغلق الموبايل وقال «لاشيء، هذا ولدي «الحمار» يتفلسف، أكمل ما كنت تقوله»، قلت «تصور أن دولة أوروبية صغيرة مثل فنلندا، صادراتها أكثر من كل الصادرات العربية مجتمعة، وأن أسبانيا وهي من أفقر الدول الأوروبية دخلها السنوي أكثر من الدخل السنوي للدول العربية، وأن نسبة الأمية تبلغ في العالم العربي حوالي 40% إجمالا، و80% بالنسبة للنساء، وأن الإسبان يترجمون في كل عام 920 كتابا لكل مليون إسباني، بينما يترجم للغة العربية كل عام أربعة كتب فقط لكل مليون عربي، وإننا سياسيا أقل شعوب العالم استمتاعاً بالحرية وأنظمتنا العربية هي الأكثر دكتاتورية، كما أن الانتخابات العربية هي الأقل نزاهة على مستوى العالم، فبعد أن كان الرؤساء يحصلون في ما مضى على 99% من أصوات الشعب، صاروا يحصلون الآن على 100%، وهي نسبة لا يحصل عليها طالب عبقري في أي ثانوية في العالم على حد علمي، فما هو برأيك الـ...».

قال «لحظة»، فقد رن موبايله مرة أخرى، هذه المرة زوجته، رد عليها بكل عصبية «والله إنك «جحشة» وما «أجحش» منك إلا ولدك، سأريك حين أرجع إلى البيت، لأكسر رأسك ورأسه يا «بهيمة»، تفووو عليك وعليه»! ثم بكل أريحية أكمل، «كأنك كنت تريد أن تسألني سؤالا» قلت «نعم، كنت سأسألك ما هو برأيك سبب التخلف العربي؟» قال بكل ثقة «السبب واضح ومعروف ومفيش غيره، إنه علتنا العربية الدائمة، «الاستبداد» بكل أشكاله، هو سبب كل بلائنا وتخلفنا، وحين أقول الاستبداد فلا أعني هنا استبداد الحكومات فقط، بل أعني استبداداً بشكل عام، استبداد الأب لأولاده، والمدرس لطلبته، والرئيس لمرؤوسيه، والمسؤول لموظفيه، فهنا تكمن المشكلة الحقيقية، لأنه بعد ذلك ستأتي الحكومات الدكتاتورية الاستبدادية «أوتوماتيكيا»، فسلوكيات السلطة تكون دائما انعكاسا لسلوكيات الشعب نفسه، وعلينا إذا ما أردنا أن نتطور ونبتعد عن ركب التخلف، أن نتعلم أولا كيف نتخاطب «بأدب» مع أبنائنا وزوجاتنا ومن يعملون تحت إمرتنا وأن نسمع وجهة نظرهم وأن نحترمها... لحظة...». أوقف صاحبي سيارته عند أحد البيوت قيد الإنشاء، ثم نزل منها، وتوجه إلى أحد العمال هناك يكلمه بحدة، ثم قام بـ«زنطه» وقال له مهددا «اسمع يا ثور يا ابن الثور، تدفع الفلوس كاملة، وإلا سألعن والدي والديك يا حيوان» ثم أخذ من العامل بعض النقود وعاد إليّ قائلاً: «يا أخي لا فائدة مع هؤلاء الغجر، تعمل لهم إقامات ثم «يلوعون جبدك» بالدفع، أف، ما علينا، نكمل كلامنا، أين وصلنا؟ آه تذكرت، كنت أقول لك إن «الاستبداد» هو سبب تخلفنا، ألا تشاركني الرأي؟» قلت له وكلي ذهول من تناقض كلامه مع تصرفاته «طبعا هو سبب تخلفنا، وأنا أوافقك في كل كلمة قلتها، واسمح لي أيضا أن أعترف لك، بأنك أكثر الناس قدرة على الإقناع، فقد أقنعتني بوجهة نظرك «بالصوت والصورة»، فعلا هو الاستبداد، الاستبداد يا عمي الاستبداد، معقول يكون في سبب ثاني؟!».