دبلوماسية حافة الهاوية هل تُفضي إلى التطبيع؟

نشر في 28-07-2008
آخر تحديث 28-07-2008 | 00:00
 محمد صادق الحسيني ما جرى من توافق غير رسمي وغير مكتوب في أروقة جنيف بشأن الملف النووي الإيراني كان أكثر من واضح، وأكثر من صريح بأن الحرب والخيار العسكري بات وراءنا، إذ إن الأوروبيين استطاعوا أن يتوصلوا مع الإيرانيين قبلها إلى شبه ما يسمى بـ«خارطة طريق» تنقذ ماء وجه الجميع، ولكن من دون الرضوخ للشرط الأميركي المتمثل في إعلان إيراني وقف التخصيب أولاً قبل الدخول في أي مباحثات جدية، والذي كان في الواقع هو العقبة أمام أي تسوية تنزع فتيل الانفجار مع طهران!

فقد استطاع سولانا ممثلاً لمجموعة الدول الأوروبية أن يساوم الإيرانيين على الاقتصاد مقابل السياسة، وأن يباغت الأميركيين بخارطة الطريق التي اتفق عليها مع الإيرانيين، والتي تقضي بوقف التنمية المطردة لمشروع التخصيب الإيراني!

وهكذا دخل وليام بيرنز إلى الاجتماع وأمامه عمل منجز لا يملك سوى التجاوب معه حتى لا يصبح واحداً أمام خمسة، مفضلاً بالتالي أن يتحول على الفور إلى عضو نشيط في مجموعة الـ«5+ 1»، ما دفعه عملياً إلى اتخاذ موقف إيجابي من ورقة سولانا غير المعلنة، وموقف «ثقافي» حار تجاه الشعب الإيراني، تعويضاً عن الخيبة التي لحقت بواشنطن طوال فترة التحريض السابقة ضد طهران، الأمر الذي دفع بالرئيس أحمدي نجاد في المقابل إلى اتخاذ الموقف المشجع والإيجابي تجاه المشاركة الأميركية الأولى من نوعها في إطار البحث عن حلول سلمية وحوارية لملف إيران النووي.

إنها البدايات الطبيعية، لكنها الطويلة والمتعرجة لمسيرة التطبيع بين طهران وواشنطن، والتي حاول سعيد جليلي أن يمررها في نهاية اجتماعات جنيف، من خلال تعليقه المهذب والمبطن حول «فن حياكة السجاد الشاق، لكنه ينتج لوحة بديعة»!

لكن الأميركيين الذين يعيشون صراعاً داخلياً خفياً وكبيراً ومعقداً ومتشابكاً في ما بين الديمقراطيين والجمهوريين،إما أنهم لم يلتقطوا الإشارة جيداً... وإما أن الصراع الداخلي قد أعماهم عن رؤية التحول الحقيقي الذي أنجزه الأوروبيون بالتعاون مع الإيرانيين!

فوليام بيرنز قد وُبِّخ على ما يبدو، وكما تشير التقارير المتواترة لأنه «خرج من المولد بلا حمص»، كما يقول المثل، حتى اضطرت كوندوليزا رايس إلى التلويح بمهلة الأسبوعين للإيرانيين في محاولة للتعويض عن إحباطات بيرنز، في الوقت الذي تعرف فيه جيداً أن ما اتفق عليه سولانا وجليلي، هو بالضبط ما تشير إليه هي من خلال مهلة الأسبوعين، أي الشروع في تطبيق خطة خارطة الطريق الآنفة الذكر بعد أسبوعين بالضبط من اجتماعات جنيف، ما يعني أن رايس إما أنها تريد وأد الخطة المذكورة لأنها تبلورت ونضجت بعيداً عن التأثير الأميركي المباشر، وإما أنها تريد «التذاكي» على الرأي العام الدولي والرأي العام الداخلي في أميركا لتسويق مرشحها للرئاسة الأميركي جون ماكين، الذي يعدها بموقع نائب الرئيس، وذلك في إطار السباق الجاري بين الحزبين في اتجاه فتح مغاليق الحوار مع طهران!

وهنا يبدو أحمدي نجاد كأنه الرابح الأكبر في هذه الأثناء، إذ إنه من جهة استطاع أن يبدو أنه الأقوى داخلياً عندما يصمد فيها رغم رسائل «الغزل» القوية من جانبه تجاه واشنطن، وأن يظهر خارجياً بمنزلة الرجل الأكثر اعتدالاً وجرأة من غيره ممن سبقوه، وهو المتهم بالراديكالية والتشدد وإعادة تصدير الثورة وإلخ، والذي طالما قيل عنه إنه يخسِّر إيران في المجتمع الدولي!

أحمدي نجاد إذن استطاع كذلك أن يرمي الكرة في الملعب الأميركي الداخلي، ويجعل التنافس حول الورقة الإيرانية بين الحزبين المتنافسين أكثر حدة وأكثر جدلاً!

الملاحظ في هذه الأثناء هو بروز محور «فرنسي- ألماني» موازٍ للمحور «الروسي- الصيني» ينادي بشدة بضرورة مقاومة أي خيار عسكري قد تفكر فيه واشنطن، حيث ثمة أخبار وتقارير متواترة يتم تداولها هنا بأن السفيرين الألماني والفرنسي في طهران يتسابقان إلى وزارة الخارجية الإيرانية لإبلاغها بالموقف المعارض لأي ضربة عسكرية سواء من جانب أميركا أم إسرائيل، وهو ما لجأ إليه أخيراً الرئيس الفرنسي ساركوزي نفسه عندما حمل مثل هذه الرسالة الواضحة للرئيس السوري بشار الأسد أثناء لقائه إياه في باريس على هامش أعياد «يوليو» الفرنسية، وهو ما دفع القيادة الإيرانية إلى إرسال الوزير منوشهر متكي إلى العاصمة السورية للاستماع إليها بعناية!

ولكن ما هي خطة خارطة الطريق التي اتُّفق عليها بين سولانا وجليلي، والتي دفعت بالأميركيين ليقعوا في مثل هذا الاضطراب؟!

أولاً: تجاوز مقولة وقف التخصيب التي أصبحت من الماضي، كما يردد الإيراني اليوم!

ثانياً: الاعتراف والإذعان بدور إقليمي أساسي لإيران في التسويات كلها التي تتعلق بقضايا المنطقة!

ثالثاً: السعي إلى أخذ ضمانات من مجموع قوى المجتمع الدولي بالاعتراف النهائي بالنظام الإيراني، وعدم العمل على زعزعة استقراره أو إسقاطه أو التحريض ضده!

كل ذلك مقابل وقف ايران لبرنامج تنمية المشروع النووي، لا وقف التخصيب، أي عدم التقدم مؤقتاً باتجاه التخصيب الصناعي، وعدم الانحراف مطلقا في اتجاه التسلح العسكري!

وهنا ثمة من يقول مجددا إن المفاوض الإيراني استطاع عملياً أن يحصل على ما يريده من خلال سياسة حافة الهاوية التي كانت تظهر القدرة والقوة الإيرانيتين باستمرار وسط عالم لا يعرف إلا لغة القوة، بينما خسر الغرب مجتمِعاً الرهان على وسائل وأساليب التهويل والتهديد سواء بتشديد العقوبات أو بالتلويح بالقوة العسكرية!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

back to top