مع اقتراب موعد مجيء باراك أوباما الى القاهرة لإعلان التصور الذي توصلت إليه إدارته، بعد كل الجولات التي قام بها مبعوثه جورج ميتشل في هذه المنطقة، وبعد كل الزيارات التي قام بها الى واشنطن بعض القادة والمسؤولين العرب ورئيس الوزراء الإسرائيلي، هناك أحاديث باتت تتردد حول شيء اسمه "التبادلية"، الذي هو ترجمة أخرى لذلك المصطلح الشهير الذي كان أطلقه هنري كيسنجر في بدايات مفاوضات كامب ديفيد المعروفة: "خطوة بخطوة".
يفهم مما قيل حول "التبادلية" انه إذا خطت إسرائيل خطوة الى الأمام فإنه على العرب وليس الفلسطينيين فقط أن يردَّوا عليها بخطوة مماثلة، أي أنه إذا وافقت الحكومة الإسرائيلية، سواء هذه الحكومة أو أي حكومة بديلة أخرى، على مبدأ حل الدولتين فإنه على الدول العربية كبادرة حسن نوايا ان تفتح أجواءها أمام الطائرات الإسرائيلية، وأن تسمح لسفن إسرائيل التجارية بالرسو في موانئها بالنسبة الى الدول التي لديها موانئ. وحقيقة ان هذه المسألة مقبولة ومعقولة إن هي جاءت في سياق تصور شامل لمحطات تنفيذ مبادرة السلام العربية وبضمانة أميركية، وهنا فإنه يجب إدراك أنه من غير الممكن تبليع هذه المبادرة للإسرائيليين دفعة واحدة كتبليع مريض "برشامة" أو حبة دواء، فالمواقف متباعدة جداً والثقة معدومة تماماً وتجسير هذه الهوة الواسعة بين إسرائيل والعرب يقتضي مثل هذه "التبادلية"، ويقتضي الأخذ بطريقة "خطوة بخطوة" التي اتبعها هنري كيسنجر في المفاوضات بين حكومة مناحم بيغن الإسرائيلية وإدارة الرئيس المصري محمد أنور السادات، فأنجزت معاهدة كامب ديفيد التي استعاد المصريون، وفقاً لها، كل ذرة من ترابهم المحتل. لنفترض جدلاً أن الإسرائيليين، بعد الاستماع الى ما سيقوله أوباما في القاهرة في الرابع من يونيو المقبل، أعلنوا موافقتهم، إن ليس على كل ما جاء في مبادرة السلام العربية، فعلى بعض ما تضمنته ومن بينه إقامة دولة فلسطينية وبالمواصفات التي تضمنتها هذه المبادرة، الى جانب الدولة الإسرائيلية... فما هي الخطوة التالية يا ترى، وكيف ستتم المفاوضات، وعلى أي أساس وبأي طريقة...؟! إن مسألة "التبادلية" هذه بالإمكان التعاطي معها بل والأخذ بها وفقاً لضمانات أميركية واضحة، ووفق برنامج زمني محدد يستند الى هذه الضمانات، فالحلول الصعبة ليس في بعض الحالات وإنما في كل الحالات تحتاج الى عمليات تجسير بين مواقف الأطراف المختلفة، وتحتاج الى خطوات تمهيدية وخطوة مقابل خطوة، ويقيناً أنه بغير هذا لن تكون هناك لا عملية سلام ولا إنهاء لهذا المأزق التاريخي العالق في عنق الزجاجة. إن مع العرب كل الحق ان يرفضوا أي مبادرة جديدة وأن يرفضوا الذهاب الى مؤتمر دولي جديد يكون نسخة أخرى عن مؤتمر مدريد، فهذا تعويم للأمور، ومن حق العرب أيضاً ان يرفضوا أي خطة أخرى، فهناك اتفاقيات أوسلو وهناك القرارات الدولية وهناك خارطة الطريق وهناك تفاهمات أنابوليس وهناك مبادرة السلام العربية، وهذا كله يكفي للذهاب الى التنفيذ والاتفاق على الخطوات الموصلة الى الحل المنشود، وكل هذا يجب ان يكون مرفقاً بجدول زمني محدد وبضمانات أميركية ودولية واضحة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
خطوة بخطوة
28-05-2009