قضية الإصلاح بين الشرق والغرب (2-4)

نشر في 21-12-2008
آخر تحديث 21-12-2008 | 00:00
 د. عمار علي حسن في كتابه «منهج الإصلاح الإسلامي في المجتمع» فصّل الإمام عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق، من دون أن يذكر ذلك مباشرة، في تناول قضية الإصلاح كما يراها الإسلام، حيث انطلق من أن هناك دعوة دائمة إلى هذه العملية الإيجابية، وهناك من يعمل في سبيله، من أجل تحقيق النهضة، ليتناول العناصر التي يقوم عليها الإصلاح الإسلامي في الأسرة والمدرسة والجامعات والمجتمع الكبير، ويحددها من حيث الجوهر والمقدمات والثمار في العلم والعبادة والجهاد والرحمة.

وارتبطت قضية الإصلاح السياسي في الإسلام بتولية الأكفأ، تطبيقا للحديث النبوي الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: «من ولي من أمر أمتي شيئا، فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح منه للمسلمين، فقد خان الله ورسوله». ومفهوم الصلاحية لدى أغلب الفقهاء يرتبط بالكفاءة، أي أن يتم الاستعمال في كل موضع أكفأ من يقدر عليه، ولعل ما جاد به ابن تيمية في هذا الشأن يكون مفيداً ودالاً، إذ يقر بأن الأصلح في كل ولاية بحسبها، فالقوي لإمارة الجند حتى لو كان فاسقا، فقوته للمسلمين وفسقه على نفسه، والتقي لإمامة الصلاة حتى لو كان ضعيفا، فتقواه للمسلمين وضعفه على نفسه.

وكانت فكرة الإصلاح محور اهتمام رواد النهضة الإسلامية الحديثة، خاصة لدى جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده، وقبلهما محمد بن عبدالوهاب، وهؤلاء هم رموز تيار لم ينقطع عطاؤه في تاريخ الإسلام الحديث والمعاصر، وهناك سمات أربع لفكر الإصلاح العربي الإسلامي: أولها أن فكر الإصلاح الذي نشأ عند العرب والمسلمين حديثا لم ينفك عن بينة المعرفة المجتمعية القائمة والمتجددة بعمقها وأغوارها، وثانيها أن هذا الفكر قد تشعب إلى شعبتين، إحداهما اعتمدت على الذات والموروث الثقافي، والأخرى انطلقت من موروثها لكنها تأثرت بما لدى الآخرين، أو بالوافد الثقافي، والثالثة أن هاتين الشعبتين لم يخرجا عن الخصوصية العربية في طبعها ونموذجها، رغم الاختلاف الظاهري بينهما.

أما الرابعة فإن حركة الإصلاح العربية لم تختلف عن نظيرتها الأوروبية فحسب، بل أيضا اختلفت عن حركة الإصلاح التي قامت بها طائفة العقليين من المصلحين الهنود، الذين كان همهم الأول منصرفا إلى الحركة الثقافية، وإلى التوفيق بين الإسلام ومطالب المدنية الأوروبية الحديثة، وإن كانت الحركتان قد اتفقتا على أن الإسلام دين عام وعالمي يناسب الناس كافة، ويلائم جميع العصور والثقافات.

وانصب جهد ابن عبدالوهاب على تخليص العقيدة الإسلامية مما شابها وخالطها وحاول أن يعكر صفوها، وإعادتها إلى أصلها الذي يكمن ويدور حول «التوحيد». وتطلب منه هذا أن يحارب البدع والطقوس الغريبة التي دخلت على المسلمين في زمن حكم العثمانيين، فلا أصنام ولا أوثان ولا عبادة آباء وأجداد ولا رجال دين أو أولياء. لكن هذا الإصلاح القائم على تصحيح العقيدة، قابله دفاع شديد وراسخ عن مبدأ الأخذ بالحديث والاعتماد عليه كليا مهما كانت درجة صحته، ضد نزعة بقية الفقهاء الآخذين بالرأي والاجتهاد.

أما الأفعاني فقد شغل نفسه بسبل النهوض بالواقع الاجتماعي للعالم الإسلامي، أكثر من اهتمامه بالمسائل العقدية، وكان يقرن النصر بتحقيق الإصلاح السياسي والإصلاح الديني في آن، ورأى أن كلا منهما مكمل للآخر، وعلى النقيض من هذا اقتنع محمد عبده بأن الإصلاح الديني والعلمي والتربوي يمكن أن يتم بمعزل عن الإصلاح السياسي، ومال إلى أن إصلاح الفرد والمجتمع مكمنه في إصلاح المؤسسات التربوية كالأزهر والمدارس والمساجد وجمعية التقارب بين الأديان. وبينما كان الأفغاني سياسيا ومفكرا ثوريا، لا يقبل الحلول الوسط، وينظر إلى الشعوب الإسلامية من غانا إلى فرغانة باعتبارها كتلة واحدة متكاملة، كان عبده يردد: «خلقت لكي أكون مدرساً».

لقد كان الأفغاني يؤمن بأن الإصلاح يمكن تحصيله في التو، شرط العمل من أجل بلوغه، أما الثاني فرأى أن الإصلاح عملية متدرجة، تتحقق بعد مدة، ولذا هادن الاستعمار الإنكليزي، خارجا على ثورية أستاذه الذي نادى بالكفاح ضد الاحتلال. وخالف عبده الزعيم أحمد عرابي الرأي حول التحول إلى الحكم النيابي الدستوري، محبذا البدء بالتربية والتعليم لتكوين رجال قادرين على القيام بأعباء الحكم النيابي، وتعويد الناس على البحث في المصالح العامة، بما يقود في نهاية المطاف إلى حمل الحكام على العدل والإصلاح.

* كاتب وباحث مصري

back to top