التيار الديني راعي الظواهر السلبية!

نشر في 11-06-2008
آخر تحديث 11-06-2008 | 00:00
 أحمد عيسى

بعد أكثر من ثلاثين عاما، «تتمسح جلدي»، فألفتُ الانكسار حتى صادقته، وخلال ثلاثين عاما شهدتُّ تحول النواب من مشرعين إلى «شرعيين»، ومن مراقبين لأعمال الحكومة إلى «رقباء» على الأفلام والكتب والحفلات، ومع هذا التراجع، بدأت مرحلة الظواهر الدخيلة.

أنتمي إلى جيل ظلمته السياسة كثيرا، واغتال فرحته التيار الديني منذ تسيد، جيل بدأ حياته في النصف الثاني من السبعينيات، تماما كالفترة التي ولد فيها، وشرع في بسط نفوذه، بعد أن استولى على الدولة، وتمدد ليكون هو الدولة، على حساب وطن دمرته قوى الظلام، وأجهز الجيش العراقي على ما تبقى منه.

أنتمي إلى جيل عرف كويت الفرح، من أحاديث الأولين، أغان بالأبيض والأسود يذيعها التلفزيون الرسمي بين حين وآخر، مسرحيات راقية، قصائد خالدة لشعراء خطوها بأضلعهم لا أقلامهم، سياسيون من طراز نادر، أعلوا الكويت على أنفسهم، كانوا يجهلون تشكل تيار يحمل الدين عنواناً، فنشأ على مهل، مد أذرعته ناخرا الدولة من الداخل، وانتشر في مؤسساتها، بدعم من السلطة، التي وجدت فيه ماردا صغيرا تخيف به الآخرين، وتستخدمه كيفما أرادت.

كبرنا سوية، أنا والتيار الديني، وكنا دائما ما نلتقي، فمع ميلادي كان مجلس الأمة قد حُل لأول مرة، بحضوره، ومع دخولي رياض الأطفال، كانت الدولة مقسمة إلى خمسا وعشرين دائرة انتخابية، لإفادته طبعا، فتزامن حفل تخرجي من الروضة مع أزمة المناخ.

أثناء دراستي للمرحلة المتوسطة، حُل مجلس الأمة لغير رجعة، وتعرفت لأول مرة على «الشورت الإسلامي»، أولى صنائعه وآخر ابتكاراته لتعزيز الحضور، ثم في سنة تخرجي دُعي لانتخابات يتشكل على إثرها مجلس وطني، وأعقبها الغزو العراقي في عز استعدادي لدخول الثانوية، فكان أن وقف رموزه مطالبين بإخراج القوات الأجنبية، بدلا من الدعوة لتحرير الكويت.

عدت بعد ذلك إلى الدراسة وفقا لنظام الدمج، وعاد معي مجلس الأمة، وعلمت للمرة الأولى أن السلام الوطني يُحيّا ولا يُغنّى، واستشكلت ومجموعة من الأصدقاء، مع إدارة المدرسة، حول ما إذا كان يجب أن تُذاع الأغاني الوطنية في الفسحة، أم الأناشيد الإسلامية، فكانت الموجة أعلى منا، في مدرسة كُتب على جدرانها الداخلية «نعم لتعديل المادة الثانية من الدستور».

تلاحقت بعد ذلك الانتصارات، فصل اختلاط، عضو خدمات، كارثة مخدرات، ارتفاع معدلات الطلاق، فساد مالي وإداري وأخلاقي، بطالة، خلايا إرهابية، قانون لمعاقبة المتشبهين بالجنس الآخر، منع المرأة من العمل بعد الساعة الثامنة مساء، وختامها لجنة معنية ببحث الظواهر السلبية الدخيلة على المجتمع، كل هذا ونحن نعيش تحت سيطرة التيار الديني!

الآن، بعد أكثر من ثلاثين عاما، «تتمسح جلدي»، فألفت الانكسار حتى صادقته، وشهدتُّ خلال ثلاثين عاما تحول النواب من مشرعين إلى «شرعيين»، ومن مراقبين لأعمال الحكومة إلى «رقباء» على الأفلام والكتب والحفلات، ومع هذا التراجع، بدأت مرحلة الظواهر الدخيلة، فالمنتصر يكتب التاريخ كما يشاء، وعاداته هي التي تصبح مع مرور الزمن أساسيات، وطباع مجتمعية إسلامية، ومن بينها، الاقتصاد الإسلامي، الدي جي الإسلامي، المايوه الإسلامي، والنائب الإسلامي، واللجان الخيرية الإسلامية، وبقية الظواهر الدخيلة، في بلد تربي فيه الحكومة المواطن، وترعاه بعدها فرق التيار الديني.

أقف اليوم مستذكراً زمناً سمعت به، ولم أعشه، كان يتوجب فيه على الفريق الفائز بالدوري العام أن يقيم حفلة عامة بسينما الأندلس، ويُحمل فنانوه على الأعناق حينما يعودون بجائزة عربية، ويلحن فيه غنام الديكان لشادي الخليج كلمات كتبها محمد الفايز عن سندباد كويتي، لف العالم، انطلاقا من بلد منفتح، بحثا عن الرزق، قبل أن تتحول بلاده إلى نموذج للفساد والتراجع والكآبة، بعد سيطرة التيار الديني، وقوى الظلام.

back to top