الناس يريدون الآن مجلسا منتجا، مجلسا يشرع لمصلحة البلد، ونوابا جريئين يتصدون لتجاوزات الحكومة بالرقابة الإيجابية الفعلية وليست الصوتية، ومعارضة هدفها الإصلاح وليس كسب الأصوات، وصوتا هادئا لكنه ملتزم ومنتظم وعلمي.

Ad

ما إن أُعلِن حل مجلس الأمة حتى أعلن معظم نواب المجلس السابق نيتهم ترشيح أنفسهم مرة أخرى للمجلس القادم، ويبدو لي أن عندهم شعوراً ويقيناً أن الكويت ليس فيها من يستطيع أن يتولى هذه المهمة غيرهم، وأنهم الأقدر على التشريع أو مواجهة الحكومة من أي مخلوق آخر، مهما كانت كفاءته وقدراته، أو أن المنصب النيابي أصبح وظيفة لها مرتب ومزايا ومردود مغر، يتعيش عليها بعض النواب ولا يستطيعون تركها لغيرهم، وفي كلا الحالتين الكويت محرومة من عناصر شابة تحاول أن تؤدي دورا لبلدها، ولكن الطرق مغلقة أمامها.

قد يقول نائب مخضرم: ولكن الناس تنتخبنا وبإمكانهم اختيار غيرنا متى شاؤوا... هذا صحيح وقد يحدث، ولكن كلنا نعرف أن الناس تتردد في اختيار المرشح الجديد ما دام منافسه غير معروف لديهم.

أنا أحس أن الناس ملت من أشكال الأعضاء القدامى ومواقفهم وأسلوب عملهم، الذي أدى، مع ضعف الحكومة، إلى وقف حال البلد... صحيح أن البعض مازال يصفق «للعنتريات التي ما قتلت ذبابة» لكن حتى هذا البعض بدأ يرى أن مثل هذا العنتر يمكن أن يلعلع في الندوات والديوانيات بدلا من تضييع البلد في مجلس الأمة.

الناس تريد نوابا يتكلمون ويحاورون بهدوء ومنطق وعلم، فتصوروا كم نكسب من الوقت والتشريع والرقابة لو أن كل نائب لا يتحدث إلا بمعلومة مؤكدة وبالأرقام ونتائج الدراسات، وبكل هدوء وروية ورحابة صدر لاستماع رد الحكومة وأرقامها وبياناتها، حتى يأتي الجدال في قاعة المجلس مثمرا، وفيه الكثير من الاحترام بين أعضائه وأعضاء الحكومة، وكل الاحترام لعقول الناس وإدراكهم.

نريد نوابا عندما يبدؤون بموضوع لا يتركونه إلا بقرار واضح، وليس كما فعل نواب سابقون يملؤون المكان صراخا ويقدمون عشرات المواضيع في لحظة تجلًّ، ويسمعوننا الكثير من الفضائح التي تدين الحكومة ثم لا شيء، فترى النائب نافخا صدره عند الخروج من قاعة المجلس وكأنه ألقى عن صدره همّاً، وحصل على براءة عدم السكوت، بينما هو لم يحقق شيئا للبلد، ولم يوقف أي خلل بصراخه سوى تبرئة نفسه والظهور بصفة البطل.

ماذا حدث لكثير مما ذُكِر تحت قبة البرلمان والذي كان يمكن أن يسقط ألف حكومة لو عامله العضو بجدية وتابعه حتى النهاية؟ لا شيء، وتذكروا كل الحديث عن السرقات والتجاوزات وهدر المليارات والتعدي على أملاك الدولة: ماذا حدث له؟ وأين نتائج كل تلك الأحاديث؟ لا شيء. نعم لا شيء أبدا غير ما سجل في المحضر: قال العضو كل ما سمعه أو تبينه ثم لا شيء.

هذا الأسلوب مجه الناس ويريدون الآن مجلسا منتجا، مجلسا يشرع لمصلحة البلد، ونوابا جريئين يتصدون لتجاوزات الحكومة بالرقابة الإيجابية الفعلية وليست الصوتية، ومعارضة هدفها الإصلاح وليس كسب الأصوات، وصوتا هادئا لكنه ملتزم ومنتظم وعلمي. يريدون أن يدخل النائب مجلس الأمة وقد قام بدراسة كل ما سيطرح في الجلسة، وليس مساعديه ومديري مكتبه من المختصين وليس من الأقارب والأصدقاء أو من المفاتيح الانتخابية.

ليت كل النواب السابقين ممن انتخبوا مرتين سابقتين أو أكثر يمتنعون عن الترشُّح ليجربوا غيرهم من الشباب، فامنحوا شباب وشابات الكويت فرصة وسترون العجب... ومني إلى كل ناخب وناخبة.