منذ حوالي سبعة عشر عاما، وردا على سؤال لمسؤول كبير عن أسباب عدم منح الجنسية للبدون الذين استشهدوا في محاولة اغتيال أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، جاءت الاجابة الصاعقة، والتي لم أكن أتخيلها، وأنقلها بالنص «اشدرانا إنهم ما سووا جذي عشان يحصلون على الجنسية».

Ad

لم يكن السؤال مقصودا به هؤلاء الأفراد تحديداً، والذين تم منح أهليهم الجنسية لاحقاً، حيث يبدو أن ذلك المسؤول الكبير قد توصل في نهاية الأمر إلى معرفة أنهم إنما قاموا بذلك التزاما بما حتمه عليهم الواجب، لا أعرف كيف، وهم قد انتقلوا إلى رحمة الله، لكن ذلك المسؤول وغيره لم يجيبا عن السؤال المزعج، وهو كيف «تسلل» هؤلاء البدون ليصبحوا الأغلبية الساحقة في الحماية الخاصة برأس الدولة؟ وكيف أن ثقة الدولة وأجهزة الأمن بهم قد وضعتهم في حماية أهم شخصية في الدولة؟!

كما أن الاجابة تاهت في تبيان وتوضيح كيف أصبح أولئك البشر يشكلون 80 في المئة من أجهزة الأمن الكويتية بجيشها وشرطتها، ومن الذي شجعهم على الاستقرار، وأضفى مشروعية على وجودهم وكيانهم، ولم تكن هناك إجابة وافية عن لماذا تم اتخاذ قرار عكسي بالتفافة مئة وثمانين درجة لكي تتحول سياسة التشجيع والرعاية والاحتضان، إلى سياسة إلغاء وتضييق وتجويع، في الوقت الذي كانت تقارير جهاز أمن الدولة الكويتي تقول عكس ذلك، وتدعو إلى تغيير تلك السياسة العقيمة من منطلق أمني صرف.

كان ذلك المسؤول الكبير حينها يتباهى بأن لديه كل المعلومات عن اصول البدون، وأنه لا يستحق التجنيس إلا عشرة في المئة فقط منهم، لكنه لم يصمد أمام سؤال آخر وفحواه إن كنت قد تأكدت بما لا يدع مجالا للشك من خلال معلوماتك المؤكدة أن عشرة في المئة يستحقون فعلا التجنيس، فلماذا لا يتم تجنيسهم ومن ثم يتم التعامل مع البقية؟ فاستدرك بإجابته الصاعقة المشار اليها في بداية المقال.

تلك هي قضية البدون باختصار، فهي قضية إنسانية وليست سياسية، شجعت عليها الدولة، وأسست لها مركزا قانونيا، وتريد ان تتخلص منها بأساليب ماكرة، وإلا فكيف تسمح الدولة لنفسها بإصدار وثائق رسمية يوصف بها شخص ما بأنه «مقيم بصورة غير قانونية»، أي ان الدولة توافق على مخالفة القانون، او كيف تصبح قضية صغيرة كإصدار شهادة ميلاد او وثيقة زواج ككرة لهب يتقاذفها المسؤولون، ويلقي كل منهم اللوم على الآخر.

أما ملف التجنيس فهو ملف آخر، أوسع وأشمل من قضية البدون، وهو ملف مليء بالمآسي والتلاعب والشبهات، واحتمالات التنفيع، وعدم الاستحقاق للبعض، وتتم معالجته والتعامل معه في غرف مغلقة، يضاف إليها ملح وبهارات في غرف شبه مغلقة، وفيها آثار لأصابع متنفذين ونواب وبصمات نوائب. وليس الخلط بين الملفين إلا لمزيد من الاضعاف للاستحقاق الانساني لقضية البدون، ويجعلها تبدو كأنها قضية مستحيلة وهي ليست كذلك.

فلدى الحكومة ومجلس الأمة العديد من الحلول المنطقية، والتي تقدم بها العديد من المختصين، بما في ذلك أجهزة الدولة الأمنية والتخطيطية، وتقوم في اغلبها على تجنيس المستحقين والتعامل بإنسانية مع غيرهم، وهي حلول تتوخى التدرج في المعالجة، وتحفظ بالمقابل لهذا الوطن أمنه واستقراره، وتؤدي في محصلتها الى حل تدريجي لهذه المشكلة الانسانية التي يمثل استمرارها دليلا آخر على العجز والفشل والتسويف، وقبل هذا وذاك انعدام الحس الانساني.