هيمه والدراما الرمضانية

نشر في 24-10-2008
آخر تحديث 24-10-2008 | 00:00
 د. محمد لطفـي أجمع النقاد أن الدراما الرمضانية لهذا العام رغم كثرتها «104 مسلسلات» كانت أقل قيمة من العام الماضي، وكمشاهد لبعض الحلقات أوافقهم الرأي، وأزيد بأن هناك مسلسلا هو الأكثر تدنيا وهبوطا هو مسلسل «هيمه»، ولا أعني «هيمه» أحمد رزق، ولكن «هيمه» إبراهيم عيسى.

بدأ هذا المسلسل منذ أكثر من عام عندما شاءت إرادة الله جل شأنه أن يختار الإنسان محمد حسني مبارك ليبتليه بوعكة صحية، وللأسف رفض بعضهم هذا الاختيار!! وأنكروا فكرة مرضه نفسها من خلال همسات ما لبثت أن تحولت إلى صراخ وتشنجات وسط طوفان -بعدد سكان مصر- من التساؤلات والشائعات، ولسوء حظ إبراهيم عيسى أنه مسلم مؤمن بأن قدر الله يصيب أي إنسان على وجه الأرض، فكتب مقالا (مش هقول اسمه طبعا) يرفض فيه ما رفضه بعضهم من إنكار فكرة المرض... وفجأة أدرك إبراهيم عيسى أنه المحرك الأول لسوق الاقتصاد المصري، فتوالت هزات البورصة، وهبط مؤشرها، وتضخم ميزان المدفوعات، وانهار الاقتصاد المصري، وإبراهيم عيسى مازال مؤمنا بقضاء الله وقدره، وتقدمت مباحث أمن الدولة التي تتبع وزير الداخلية وهو عضو في الحزب الحاكم الذي يدير سياسته جمال مبارك، ويرأسه الرئيس حسني مبارك ببلاغ إلى النائب العام ضد إبراهيم عيسى، وطوال أكثر من سنة وحلقات المسلسل تتواصل من درجة قضائية إلى أخرى، وأحكام متتالية إلى أن جاءت «حبكة المسلسل» وتم إصدار حكم نهائي بحبس إبراهيم عيسى شهرين.

و فجأة... وهنا «الماستر سين» كما يقول النقاد أصدر الرئيس مبارك قرارا بالعفو عن إبراهيم عيسى، وجاء في بيان العفو أن الرئيس يربأ بنفسه أن يكون في خصومة مع أحد، بالرغم من أن واقع الحال يؤكد خصومة المواطن الذي لا يجد رغيف العيش، والموظف الذي يستدين كل شهر، وصاحب المعاش الذي لا يضمن علاجه، والطالب الذي لا يجد حريته في جامعته، كل هؤلاء في خصومة مع الرئيس، ولكن المهم أن الرئيس أصدر قرار العفو، وله كل الشكر والتقدير لهذا الموقف الإنساني النبيل، ويبقى السؤال: ألم يشعر الرئيس طوال هذه الفترة بأن هناك خصومة؟ ألا يملك الرئيس أن يصدر أمرا بصفته رئيسا للحزب الذي يتبعه وزير الداخلية بالتنازل عن الدعوى؟ ولماذا انتظر الرئيس طوال هذه المدة؟ هل هي حقا استقلالية القضاء؟ أم حرية المباحث في إقامة الدعوى؟ أم لانشغاله بحل الأزمة الاقتصادية؟

الحقيقة للأسف ليست في كل ما سبق إنما ترجع إلى «سادية» الحاكم العربي الذي يرفض أي حقوق للمواطن، ويصر على أن ما يناله المواطن هو منحة الحاكم وهبته وليست حقا.

في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي وأثناء فترة التجنيد في كلية الضباط الاحتياط، كنا نتحدث أثناء الاستراحة بين الطوابير عن الإجازة الأسبوعية، وما سنفعله، وكان شاويش السرية يستمع إلينا، فجمعنا لينبهنا لأمر مهم –كما قال- وقال بصوته الجهوري محذرا الجميع من عدم الانتباه «إن الإجازة الأسبوعية منحة وليست حقا» تذكرت هذه الواقعة الآن، ويبدو أن سادية الحاكم وباء سريع الانتشار ينتقل من أصغر شاويش إلى أكبر حاكم في عالمنا العربي، فالكل يؤمن بأن ما يناله المواطن منحة وليست حقا، لهذا كان الانتظار الطويل إلى حين صدور الحكم النهائي لترسيخ هذا المفهوم لدى جميع المواطنين، وكي لا يفكر أحد أن هناك حقا له ليطالب به بل هي منح وليست حقوقا، ومن المعلوم أن من يمنح يمنع!! «مش كده ولا إيه»؟!

back to top