تشربني أحزاني قطرة.. قطرة،

Ad

أفيض من أقداحي.. وأنسكب على أرضِ لا تحتويني، وعشب لا يستسيغ مذاقي!

فقط الجفاف وحده يشتهيني.. يفتح ذراعيه ليحتضني..

مر هذا الصباح من أمام نافذتي دون أن يعيرني أي اهتمام!! لم يترك كعادته بقايا من رائحة القرنفل التي يقطفها من الحدائق المجاورة وينثرها حول شباكي،ولم يملأ شرفتي بأناشيد العصافير الصباحية.

أُطِلّ من خلف زجاج النافذة لألوّح للشمس، تشيح بوجهها عني عمدا كأنها لا تراني! ألجأ هاربا إلى الموسيقى، أدير بعض الاسطوانات المحمّلة بموسيقى أحفظها جيدا، وكانت دائما ما تأسرني، وتزرع بي أجنحة لأطير معها إلى حيث لا نترك أثر خلفنا، هذه المرة.. تجاهلتني موسيقاي، أبدعت بمعزل عني، مددت لها يدي فطارت من دوني، لم تلاحظ حتى وجودي.

أجلس على مقعد في زاوية غرفتي وأفكّر كيف أستعيد يومي، كيف أعقد صلحا معه؟! قلت في نفسي ربما الماء يعيدني إليه!! رحت أجرجر خطواتي إلى الحمام لأستحم، وداعبت مخيلتي رغوة الصابون ورائحته المنعشة إذ ربما تعيد روحي إلى جادتها، وقفت تحت الدش عاريا إلا من جفافي، فتحت الحنفية فتساقط الماء قويا كالمطر المليء برغبة إنقاذ اللون الأخضر، ولكن ما أن يصل فوق رأسي بقليل حتى تتفرق قطرات الماء من حولي ولا تلامس جسدي أبدا! وكأنما أنا ممسك بمظلة فوق رأسي!! أحاول عبثا أن أقف في مكان مناسب حيث قطرات الماء المنبعثة من أعلى، حيث بإمكان تلك القطرات ان تصطادني.. ولا أوفق!! بعد محاولات عديدة فاشلة قررت أن أغادر الحمام، أخذت المنشفة لأجفف جسمي غير المبتل أصلا، والجاف كغصنٍ سكنه الخريف، أدخل غرفتي، أقف أمام المرآة، لا أرى ملامحي، لعل المرآة ابتلعتها، أتفقد وجهي براحة كفاي،ولا أشعر بشيء!! أين اختفت ملامحي؟! هل هربت ملامحي مني، أم أني فقدت حاسة اللمس؟! أجرب حاسة أخرى.. أمسك بزجاجة إحدى عطوري المفضلة، وأسكب بعضا منها في راحة يدي، أفرك كفاي، وأقربهما من أنفي.. يا إلهي لا أشم شيئا، لم يعد للعطر رائحة، أو ربما أنفي يتآمر ضدي، ويحرمني الإحساس برائحة العطر!!

أفيض من أقداحي، وأنسكب على أرض لا تحتويني، وعشب لا يستسيغ مذاقي!!

منذ ثلاثة أيام وأنا كذلك..

لا شيء يجذبني إليه، ولا أملك الجاذبية لأي شيء،

استعذت بكل ما أحفظ من آيات الجمال

قرأت كل القصائد التي أعشق

مشيت حافيا على رمضاء الكلمات

بلا جدوى..!!

منذ ثلاثة أيام أقف مصلوبا على سنديانة الهم..

تمر الغربان لتأخذ في كل مرة جزءا مني.

منذ آخر شجار بيننا لم تنبت بين أصابعي شجرة مثمرة

منذ آخر مرة سمعت بها صوتك،خاصم سمعي كل نغمة جميلة.

منذ ثلاثة أيام وأنا..

أفيض من أقداحي، وأنسكب على أرضٍ لا تحتويني، وعشب لا يستسيغ مذاقي!