* هل نقول وداعاً للديوانية كوسيلة اتصال وتواصل بين المرشحين والناخبين، ذلك أن الدوائر الخمس، وسعت رقعة جغرافيا الديوانية، وأفضت إلى زيادة عددها كثيراً إلى حد يصعب، إن لم أقل يستحيل، على المرشح زيارتها مهما كانت سرعته الماراثونية ولياقته البدنية، وقدرته على احتساء المشاريب الساخنة والباردة.

Ad

ومن هنا يلوذ المرشح بفضاء التلفزيون والنت وصفحات الصحف وسيلة لاتصاله وتواصله مع ناخبيه، زد على ذلك الحضور الكثيف للناخبات اللواتي يحتاج التواصل معهن إلى حجاب ونقاب ومحرم... وربما «بودي غارد» لاحتواء الفتنة التي لا تتم إلا بوجود «الحرملك» الذي يفصل الناخبين الذكور عن الإناث منعاً لأن يكون الشيطان ثالثهما! على الرغم من أن اجتماع المرشح بناخبات منطقته الانتخابية لا يعد خلوة كون الشيطان ثالثهما بالضرورة!

إن مرشحي الدوائر الخمس يفترض فيهم الحيوية واللياقة البدنية وخفة الوزن وربما خفة الدم، ليكون في مقدورهم ممارسة الحملة الانتخابية الدعائية من دون كلل ولا ملل! فضلاً عن الحرص التام لكي تؤتي أكلها قطوفاً دانية، ونتائج إيجابية تتمخض -بالضرورة- عن أي حملة دعائية تحترم عقل الناخبين، وتتوخى الشفافية والصدق في محتوى الرسالة المراد إيصالها إليهم، ذلك أن «الكلمة دين، من غير إيدين، بس الوفا عالحر» (بحسب أخينا الشاعر «أحمد فؤاد نجم» ما غيره). فما أسهل الوعود والعهود والكلام المرصع بالأماني والأحلام الوردية حين تنثال في معرض الدعاية والترويج والتسويق وغيرها من أنشطة الحملة الانتخابية.

* فالعديد من المرشحين، كالشعراء: يقولون ما لا يفعلون، وإذا فعلوا لحسوا وعودهم ونقضوا عهودهم من دون أن يرف لهم جفن الصدق مع الذات، ومع الآخر المصيخ السمع لخطابهم الرنان، ومن هنا يبدو لي أن مهمة الدعاية المنوطة بالنواب السابقين أصعب من مهمة المرشحين الجدد، لأن السابقين يخبرهم الناخبون جيداً، ويتذكرون أفعالهم ومواقفهم داخل قاعة «عبدالله السالم» فلا مجال لديهم، والأمر كذلك، التعويل على سحر البيان، وذرابة اللسان، وبلاغة الهذرة في كل شأن، لأن الموقف الفحل -وحده- هو المحك الذي يحسم خيار الناخب، أو يجب أن يكون كذلك، وما ذكرته آنفاً ليس غائبا عن وعي المرشحين، لكن النفس المرشحة الأمارة بالدعاية المجانية المرسلة تتناسى هذه الحقيقة البديهية! لكن الناخبين يتسمون بذاكرة حديدية تحفظ كل شاردة وواردة في مسيرة النائب البرلمانية، بحيث لا ينطلي عليهم أي بهتان مضمر في سياق الدعاية والترويج! حسبي تدليلاً على ما ذهبت إليه الإشارة إلى معرفة الناخبين الشباب بهوية كل المرشحين، ومواقفهم وسيرتهم العملية في المجلس وخارجه!

منذ أيام كان هناك مؤتمر للمدونين العرب في القاهرة، وأتيح لي اللقاء ببعض المدونين الكويتيين الذين أدهشوني بمعلوماتهم الثرّة المتنوعة عن النواب السابقين والمنتظرين! إنهم جيل الشباب الذي يصول ويجول ويسرح ويمرح في فضاء «الإنترنت» معبرين عن ذواتهم بالصيغة التي تعن لهم، كما يتبدى ذلك في «مدوناتهم» التي أقلقت مضاجع العديد من الحكام في العالم الثالث «عشر»، أثارت توجسهم وقلقهم وخشيتهم من هذا الوسيط العولمي العصي على التدجين والتحجيم والاحتواء! من هنا يحق لنا الافتراض بأن الديوان سيتلاشى دوره بشأن التواصل بين المرشحين والناخبين، خصوصاً بين أوساط الشباب المتربعين المتحلقين أمام جهاز الكمبيوتر و«اللاب» والموبايل... بخدماته وتطبيقاته ووظائفه كافة. وعلى طريقة عمنا الكاتب الساخر «محمود السعدني» أحسن الله خاتمته نقول كما قال: «وداعا للطواجن» ولكل السبل التقليدية السائدة في الحملات الانتخابية طوال العقود الماضية. لا أزعم بزوال الديوانية كمؤسسة اجتماعية راسخة في حياتنا اليومية، لكن زخمها الدعائي سيتضاءل، ويخبو وهجه، كما تشي بذلك مقدمات استخدام التقنيات الحديثة في المجال الذي نحن بصدده. لكن الوسيط «الجديد» الذي أقحمه البعض في الرويج لأفكار وآراء بعض النواب السابقين والمرشحين الجديد «بدعة» لا يجوز حضورها في حرم المسجد الجامع ساعة خطبة صلاة الجمعة! اللهم إلا إذا كانت وزارة الأوقاف تنوي توزيع منابر المساجد في البلد على كل القوى السياسية، ليتاح لكل تكتل الدعاية «لبرنامجه» واهتماماته! تحقيقا لعدالة حق الإعلام الواجب توافره لجميع المرشحين بالعدل والقسطاس، ولأنها لن تفعل ذلك لا سمح الله، فحري بها مساءلة الإمام الخطيب الذي يكرس خطبة الجمعة للإعلام عن برنامج مرشح من جماعته، وللإساءة إلى منافس هذا المرشح بالغمز واللمز وكل سبل الجدل التي هي أسوأ وأظلم، وصيغ الحوار باللاحسنى. وإذا لم تتخذ وزارة الأوقاف إجراء حاسماً جازما تجاه هذه الفصيلة المنحازة من الأئمة، فأخشى أن يأتي اليوم الذي نسمع فيه الإمام يزأر قائلا قبل الصلاة: استووا... تراصوا... ورشحوا فلان الفلاني، وترتان العلاني، يرحمني ويرحمكم الله!