مفاجآت حلمي لا تعرف الإزعاج

نشر في 28-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 28-07-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين تتطوّر باستمرار السينما التي يقدمها أحمد حلمي تطوراً ملحوظاً، من «زكي شان»، مروراً بـ «جعلتني مجرماً» و«ظرف طارق»، وصولاً إلى فيلمه الكوميدي الناضج «كده رضا» في عام 2007.

لكن نجم الكوميديا الشاب يتجاوز حتى «كده رضا» في فيلمه الجديد«آسف على الإزعاج»، الذي أخرجه خالد مرعي وكتبه أيمن بهجت قمر.

يعتبر هذا الفيلم البداية الحقيقية والقوية لمخرجه وكاتبه على السواء ـ بعد تجارب أولى ـ فضلاً عن تميّز التصوير لأحمد يوسف والديكور لمحمد أمين والموسيقى لعمرو إسماعيل.

أمتعنا الأداء التمثيلي الدقيق والراقي لحلمي في دور الشاب «حسن» ومحمود حميدة في دور والد حسن ودلال عبد العزيز في دور أمه ومنة شلبي في دور حبيبته «فريدة»، والفضل لإخلاصهم وإحساسهم المرهف بالشخصيات ولخالد مرعي في الاختيار والتوجيه.

تدور الأحداث حول «حسن» الذي يعمل مهندس طيران ولديه اختراعات أهمها مشروع لتوفير استهلاك الطائرات للوقود، لكنه لا يجد من يدعمه، وهو يبدو أقرب إلى شخص انطوائي، يعيش في الخيال أكثر من الحقيقة، ومع أشخاص في مخيلته ، يراهم ويكلمهم ويرتاح إلى العيش معهم أكثر من هؤلاء الذين يلتقيهم ويضطر للتعامل معهم في الواقع.

هكذا يرسم الفيلم ـ تدريجيا ـ أمامنا شخصيته الرئيسة، ويكسبها ملامح تزداد وضوحاً ودقة مشهداً بعد الآخر، من الناحية النفسية، ويزداد الفيلم ، من الناحية الدرامية وكإيقاع وتكنيك، نضوجاً وتألقاً بإطراد.

لذلك نُصدم ونُفاجأ أكثر من مرة، مع «حسن» حينما يكتشف في الواقع شخصاً كان يتعايش معه طوال الوقت، ونصدق ذلك لفرط الصدق والاندماج في هذا التعايش، لم يكن إلا شخصًا يعيش معه في الخيال، يحلو له أن يبادله أطراف الحديث ويعيش معه قصصاً وحياة.

الحبيبة (منة شلبي)، على سبيل المثال، يرنو إليها، ويأمل في التحدث معها وهو لا يستطيع، وحين يحاول بسذاجة، تصده فيعجز عن تحويلها من الخيال إلى حقيقة فعلية وعلاقة قابلة للتحقق، فيصنع وينسج ذلك في خياله كأنها أحلام يقظة، وعندما تطلب منه أمه ـ حين تلاحظ أعراضاً آخذة في التصاعد ـ أن يعرض نفسه على طبيب نفسي يثور ويرفض.

لكنه في النهاية وعند استفحال الحالة، يرضخ للعلاج ويصل إلى الشفاء بالفعل، لكن الطبيب (سامي مغاوري) يحذره من أن الحالة يمكن أن يستعيدها إذا ما توقف عن الدواء.

يشخص الطبيب هذه الحالة على أنها«فصام»، ولا تخلو من الشعور بالاضطهاد، فلا يكف حسن عن إرسال خطابات إلى رئيس الجمهورية لإنقاذه ومساعدته في تنفيذ اكتشافاته.

يرصد الفيلم خوف حسن الذي عاشه منذ طفولته، خصوصاً نتيجة خوف أمه (دلال عبد العزيز) الشديد وقلقها الدائم عليه، إلى حد أن تحرمه من أمنية ظلت تراوده وتلح عليه صبياً وكبيراً، وهي امتلاك «موتوسيكل» وتعلّم قيادته، وهو ما يصر عليه ويحققه فجأة لكن في ما بدا بعد فوات الأوان.

هكذا، كانت الأخطاء في التربية والتنشئة سبباً رئيساً أفضى إلى حال نفسي مضطرب أو متعثر، غير سوي أو غير ناضج بما يكفي لبطلنا.

يتجاوز فيلم «آسف على الإزعاج» أفلام الكوميديا السابقة لأحمد حلمي التي تميزت عادة بأنها خفيفة غير مسفة، تحترم المشاهد لكن من دون تعمّق في قضية أو في شخصية.

مع هذا الفيلم، نحن أمام تجربة فنية جادة وحقيقية، إخراجاً وإنتاجاً، معالجة وأداء وتصويراً على مختلف المستويات، أمام عمل سينمائي كوميدي رومانسي سيكولوجي ناضج ومتقن، كوميديا ذات مضمون ومعنى، قادرة على التأمل والتحليل، كوميديا جادة بحق.

أحمد حلمي أنت لم تزعج بل فاجأت وأسعدت، فشكراً.

back to top