لا يحق لأيّ كان أن يعترض على أن تفاوض سورية لاسترجاع أرضها المحتلة، وأن تحول اقتصادها من اقتصاد حرب إلى اقتصاد رخاء، كما أنه لا يحق لأي كان أن يعترض على أن يتصالح الفلسطينيون، وأن ينتزعوا هدف إقامة دولتهم المستقلة من تحت أضراس الإسرائيليين؛ إنها إنجازات قومية ووطنية... لكن في كل الأحوال تبقى العبرة بالنتائج!إذا كانت المفاوضات السورية- الإسرائيلية غير المباشرة، التي قد تنتهي إلى قمة «مواربة» بين الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولميرت بعد فترة في باريس، ستحلّ مشكلة الجولان العالقة؛ وإذا كان الإسرائيليون قد أصبحوا حقاً أكثر جدية بالنسبة لعملية السلام، وأن الدولة الفلسطينية سترى النور قبل نهاية هذا العام؛ وإذا كان الفلسطينيون سيتصالحون؛ وإذا كانت التهدئة بين «حماس» وإسرائيل ستتم وستصمد؛ وإذا كان نوري المالكي سيوّحد البلاد والعباد؛ وإذا كان «اتفاق الدوحة» سينفذ وسيشكل فؤاد السنيورة حكومة الوحدة الوطنية، فإن هذا يعني أن هذه المنطقة ستودع التوتر وستستريح لسنوات طويلة.
وإذا كان كل ما يجري ليس مجرد حلم في ليلة مقمرة، وليس من قبيل ممارسة «التّقية» حتى من قبل الذين لا يعرفونها ولا يؤمنون بها، وليس هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، فإن الشرق الأوسط المبتلى والمعذب يجب أن يهيىء نفسه لفترة طويلة من رغد العيش والاستقرار، خصوصاً إذا كانت هذه الإيجابيات كلها ستأخذ بطريقها الاحتلال الأميركي للعراق، وأزمة احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، والضرس الملتهب في الفك التركي في منطقة كردستان على الحدود العراقية- التركية.
ستبقى هناك حروب الفقراء بين «جيبوتي وإريتيريا»، و «إريتيريا وأثيوبيا والصومال»، و«الصومال والسودان»، وبين «البوليساريو» والوطن الأم المغرب، وسيبقى هناك تمرد الحوثيين في اليمن، وهذه مسائل يصبح من «المقدور» عليها إذا حُلت القضية الفلسطينية الحل العادل الذي ترضى عنه الأجيال، وإذا حُلت مشكلة الجولان ومعها مشكلة مزراع شبعا، وإذا تصالح الفلسطينيون مع أنفسهم وتوقفت صواريخ القسّام عن الانهمار على سديروت.
إنه عصر العجائب والغرائب فأمس، نكتشف أمر المفاوضات غير المباشرة التي كانت سورية قبل انكشافها ترفع شعاراً بأن الصمود عند أقدام المبادئ أهم من الجولان وفوقها مزارع شبعا، وبأنه لا حل إلا بالانتصار الإلهي الذي حققه حسن نصر الله، وبأن حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد هي الحل الذي لا حلّ غيره للهضبة المحتلة ولفلسطين من البحر إلى النهر. وأمس كانت «حماس» تعتبر وقف إطلاق النار بموجب اتفاقيات أوسلو خيانة ما بعدها خيانة، وأمس كان هناك «فسطاط ممانعة ومقاومة»، وكان هناك من وصف الرؤساء والقادة العرب بأنهم «أشباه رجال».
فما الذي جرى حتى تندفع هذه المنطقة نحو السلام والتهدئة مرة واحدة؟!
بالأمس كان هناك رهان بأن سورية لن تستبدل تحالفها الاستراتيجي مع إيران «الشقيقة» بهضبة الجولان حتى لو انسحبت إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو عام 1967 وتحققت «وديعة رابين»، كما كان هناك رهان بالأمس على أن حركة «حماس» حركة مبادئ وعقائد وأنها زاهدة في السلطة والحكم، وكان هناك إصرار على أن «الزَّير سالم» لن يصالح على «دم كليب»... لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله، وأن محمود عباس (أبومازن) لن يضع كفّ يمينه في كفّ يمين خالد مشعل حتى يتراجع عن انقلاب الرابع عشر من يونيو 2007 ويعيد ما لقيصر للقيصر!!.
هل ما يجري مجرد حلم وردي في ليلة مقمرة أم أن كل ما في الأمر أن هذه هي أصول اللعبة، وأنه مادام أن كل شيء يجب أن يتوقف إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، فلا مانع من أن يلعب كل واحد لعبته، وأن يجس نبض غريمه، وأن يعطي من طرف اللسان حلاوة، وأن يروغ كما يروغ الثلعب؟!
لا يحق لأيّ كان أن يعترض على أن تفاوض سورية بالطول والعرض وبصورة مباشرة وغير مباشرة لاسترجاع أرضها المحتلة، وأن تحول اقتصادها من اقتصاد حرب إلى اقتصاد رخاء، وأن تنتهي من قوانين الأحكام العرفية وتسمح لشعبها أن يمارس حرية الرأي والتعبير، وأن يعيش الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية، كما أنه لا يحق لأي كان أن يعترض على أن يتصالح الفلسطينيون، وأن ينتزعوا هدف إقامة دولتهم المستقلة من تحت أضراس الإسرائيليين؛ إنها إنجازات قومية ووطنية... لكن في كل الأحوال تبقى العبرة بالنتائج!
* كاتب وسياسي أردني