Ad

إذا كان فيلم «ليلة البيبي دول» جاء أقل من المتوقع، فإن فيلم «كباريه» جاء أفضل مما كان متوقعاً، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو حشد النجوم الذي وصف بنوع من «الزحام» سواء في الممثلين أو النماذج البشرية والخطوط الدرامية.

تدور أحداث «كباريه» في ملهى ليلي خلال أربع وعشرين ساعة، يقدِّم من خلالها صورة عن حياة مجتمعنا الراهن من خلال ذلك «الحيز الضيق» أي الكباريه، والوحدة الزمنية «يوم منذ بعد صلاة الجمعة إلى صباح اليوم التالي».

يعد هذا الفيلم البداية الحقيقية لمخرجه سامح عبد العزيز، الذي قدم سابقا أفلاماً لم تلفت الانتباه مثل «أسد وأربع قطط»، وللنجمة السورية جومانا مراد في السينما المصرية مع أنها قدمت سابقاً عملاً لا يستحق الذكر بعنوان «لحظات أنوثة».

أتاح أيضاً لكل من دنيا سمير غانم وعلاء مرسي أن يقدما أحسن أدوارهما في السينما حتى الآن. كان الممثلون: فتحي عبد الوهاب، صلاح عبد الله، أحمد بدير، ماجد كدواني، خالد الصاوي، مي كساب، محمد الصاوي، إدوارد، محمد لطفي، نادية رفيق، مقنعين بأدوارهم، فيما أعطى محمود الجندي وهالة فاخر ومحمد شرف أقل من إمكاناتهم بكثير.

تتنوع شخصيات «كباريه»، في إطار تمتزج فيه الكوميديا السوداء بالميلودراما التي لا تخلو من مبالغات، بعضها مقبول وبعضها يغلب فيه التصنُّع إلى حد كسر التلقائية ومن ثم الاندماج. من هذه الشخصيات، صاحب الملهى صلاح عبد الله الذي يدير ملهاه بصرامة إلى حد يبدو كمصاص دماء لا يتورع عن شيء، مع ذلك لا يتعاطى الخمر ويكثر من العمرة والحج، ومن مخاطبة صورة قديمة معلقة في مكتبه لوالده كضمير له، وشقيقه (ماجد كدواني) الذي فقد ساقه أثناء الدفاع عنه وكان شريكه في الملهى، مع ذلك يسيء معاملته ولا يسمح له إلا بالجلوس على باب الحمام.

يستعرض الفيلم نماذج عدة مثل البلطجي أو «البادي غارد» (محمد لطفي)، ومدير الأعمال (محمد الصاوي) التابع لصاحب الملهى مثل ظله، والإختصاصي بجمع أموال «النقطة» في الكباريه علاء مرسي، بينما تعتصره بشدة الحاجة إلى المال له ولطفلته وزوجته (مي كساب).

كذلك يتوقف أمام نموذج المغني الهابط الذي يلقى رواجاً اليوم من خلال متنافسين بحدة في هذا المجال (خالد الصاوي وإدوارد). تجسد جومانا مراد شخصية المضيفة التي تجالس زبائن الملهى وتتفانى في الوقت نفسه في خدمة أمها المريضة (نادية رفيق) وتخفي عليها تماماً حقيقة عملها، إلى أن تصلها جثة أمها حتى باب الكباريه ذات لحظة، فتفجع وتنهار في مشهد من أهم مشاهد الفيلم و«ماستر سين» بالنسبة إلى مراد.

لا تخلو الشخصية التي تؤديها دنيا سمير غانم من الانغماس في التناقضات، تسقط في الانحرافات مرة تلو الخرى، لكن الغريب أنها على رغم من ذلك لا تفقد ملامح البراءة، بدأت مأساتها من لحظة تهجُّم زوج أمها عليها وظلت حائرة إلى النهاية بين أن تجد ملاذها في الكباريه أو خارجه، أدت دنيا تلك اللحظات والأحاسيس المتباينة المتداخلة والإيماءات بتمكن مدهش.

نأتي أخيراً إلى الشاب القادم من جماعة عنف دينية (فتحي عبد الوهاب) وبتحريض من زعيمها (محمود الجندي) ليفجر نفسه بالكباريه، تطهيراً للمكان والأرض من الدنس، وتخلصاً من موضع الفسق والآثام.

تتابع الكاميرا بجدية إخراج سامح عبد العزيز، تصوير جلال الزكي، مونتاج شريف عابدين، موسيقى تامر كروان، لقطات اغتسال الشاب قبل «تفجير الجسد والشهادة»، وولوجه إلى عالم الكباريه وإحساسه بالدهشة والغربة الكاملة في داخله، ثم المفاجأة حين يمنع تعطيل الحزام الناسف تنفيذ العملية، إلى أن يأتي من بعده زميل ينفذها، ليكون الانفجار الأخير نهاية مدوية ودامية، تطيح بكل أشخاصه ويبقى المشهد دليلاً على كل هذا السقوط والضعف والمظالم السائدة والقهر في كل لحظة لأطرافه المختلفة.