ذهب الدكتاتور مشرف إلى غير رجعة، ولا نعرف متى سيعتلي دكتاتور آخر صهوة دبابة أخرى ليعيد الأمور إلى المربع رقم واحد. ذهب تاركاً إرثا معقدا لشعبه.انتقل إلى ذمة التاريخ آخر دكتاتوريي باكستان، الجنرال برويز مشرف، وانتهت حقبته الدامية، التي بدأت بانقلاب عسكري قام به على رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف، ومن سخريات القدر أن يكون نواز شريف ذاته مشاركا في الحكومة التي سعت من خلال البرلمان لإطاحة الدكتاتور الراحل عن السلطة، فهكذا السياسة، لا ثبات فيها، بل إن الثابت الوحيد فيها هو التغير وعدم الثبات.
وها هو مشرف يرحل من دون دمعة تُذرف على رحيله، وقد أوصل البلاد والعباد إلى طريق مسدود. ولعل المفارقة في الأمر أن أسامة بن لادن ومعه الملا محمد عمر زعيم «طالبان» كانا قد أسهما بصورة أكيدة في إطالة عمر مشرف السياسي. فبعد أن اعتلى مشرف صهوة السلطة في باكستان عام 1999 ودخل في عزلة سياسية دولية، ربما كانت ستؤدي في محصلتها إلى إرغامه على العودة إلى الحكم المدني وإجراء انتخابات عامة، جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتضعه أمام طريقين لا ثالث لهما، فإما التحالف الوثيق مع «طالبان»، وإما التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية. ورغم قسوة وصعوبة قرار الانقلاب على «طالبان» وبالتبعية تنظيم «القاعدة»، فإن مشرف في نهاية الأمر اتخذ قراره الاستراتيجي بالتحالف مع أميركا، مما أعطاه فترة زمنية للتنفس. فقد انهالت عليه المساعدات الأميركية العسكرية والسياسية وغيرها، وها هم في نهاية الأمر تركوه في العراء مجردا من أي غطاء، باستثناء خطبة وداع لا تسمن ولا تغني من جوع.
ذهب الدكتاتور مشرف إلى غير رجعة ولا نعرف متى سيعتلي دكتاتور آخر صهوة دبابة أخرى ليعيد الأمور إلى المربع رقم واحد. ذهب تاركا إرثا معقدا لشعبه، ولمن سيتولى الأمور من بعده، ولا عزاء لباكستان وشعبها.
هذا هو شأن الدكتاتورية أينما حلت، تخلف وراءها الخراب والضياع والقلق.