مسك ختام رحلتنا إلى لبنان كان حضور المسرحية الغنائية الرائعة «عودة الفينيق» التي ألفها المبدع منصور الرحباني، ولحنها وأخرجها نجلاه أسامة ومروان... أبهرتنا الديكورات والإضاءة والأزياء والإخراج والرقص والغناء واللحن... وأبدع الرحابنة كعادتهم في صناعة الفن واستخدام مكوناته وعناصره جميعها بحرفية ونجاح منقطع النظير في عالمنا العربي، حيث جمعت المسرحية الدراما بالفكاهة بالفرح بالرقص بالطرب، وجسدت إسقاطات تاريخية ورمزية انتقدت الواقع اللبناني وامتدت بالنسبة لي إلى واقعنا في الكويت الذي يشبه القصة إلى حد كبير، وقد تتجاوز حدود الزمان والمكان لتعبر عن قصة الحياة ككل، حيث يبعث طائر الفينيق الأسطوري من الرماد حيا بعد محاولات إفنائه والقضاء عليه.

Ad

وطائر الفينيق الذي يحترق ويولد من جديد، هنا هو رمز للحياة والحرية والنور والأمل وكذلك الشمس الباعثة للحياة التي تموت كل يوم ليشرق فجرها من جديد.

قصة المسرحية، التي تعرض في مدينة جبيل، هي عن تلك المدينة التاريخية (مملكة جبيل الفينيقية) التي تدور أحداثها في عام 1370 ق.م حين كان المصريون والحثيون يتنازعون عليها طمعا بها، مدعين سعيهم إلى تعميق السلام، ليستعين ملك جبيل بملك مصر أخناتون في مقاتلة أعدائه من الحثيين وشقيقه الذي كان عميلا لهم، وكذلك أعداؤه في الداخل من الثوار الذين رفضوا سيطرة المصريين والحثيين على حد سواء، الذين سعى قائدهم إلى استقلال الفينيقيين وإعادة الحكم للشعب، ليسيطر الحثيون على المملكة ويضطر بعدها الثوار إلى التعاون مع الملك والمصريين لمحاربة الحثيين، ليكتشفوا في النهاية أن دمارهم وهلاكهم قادم لا محالة.

تعبر رسالة هذه القصة عن قدر لبنان (المتشبث بالحياة) على النهوض من وسط الرماد في كل مرة تحرقه فيها الصراعات المدمرة في الداخل والخارج، تماماً كطائر الفينيق.

ها هي القصة القديمة قدم التاريخ تعيد نفسها وتكرر صورها بشكل مضحك ومحزن في نفس الوقت لتجسد الهيمنة والظلم والاستغلال، واستبداد آلهة الأرض وعنف البشر، والنزاع على السلطة، وصراع الطوائف والمذاهب والإيديولوجيات والطبقات العنصرية التي أنهكت الدول والشعوب والتاريخ والحضارات ليدمر كارهو الحياة والجمال جنات الأرض، ويعدموا الحب والسلام والنور، ويشوهوا الأوطان، ويحرقوا الأشجار والحدائق ويغرقوا المدن في محاولة يائسة لإيقاف الزمن.

وأنت يا طائر الفينيق حكايتك كحكاية الحياة لا تموت أبدا مهما تغيرت الأزمنة والأمكنة وتبدل الأشخاص... ستنهض من رمادك من جديد لتغرد بصوتك العذب لحن الحياة... لتواجه الجمود وتحرق الظلام بإرادتك وحبك للحياة... لتؤكد أن الموت ليس النهاية.

وعودة إلى المسرحية حيث يختم «راعي الزمان» بقوله: «خلصت حكاية وابتدت حكاية... وحكاية جبيل ما إلها نهاية... وطائر الفينيق بعدو بيجي من الشرق كل خمسين سنة بيحترق بالعنبر فوق الهياكل، وبينبعث من رمادو، وبيعود للحياة... ناس جداد وأفكار جديدة، ونحنا ماشيين لقدام مهما صار نحنا لقدام».