بدأ عرض فيلم «مفيش فايدة» للمغني مصطفى قمر، بعد أيام من عرض فيلم «حلم العمر» لزميله حمادة هلال، سبقهما بقليل عرض فيلم «كابتن هيما» لتامر حسني.

Ad

ازدهرت الأفلام الغنائية مدة طويلة في السينما المصرية، ثم مرت بفترة توقّف طويلة، وكان مدعاة للأسف والقلق اختفاء هذا اللون المحبب إلى الجمهور المصري والعربي، مع أن السينما المصرية (منذ إطلالتها الأولى على مجمل الشعب العربي) بدأت كسينما تغني بأصوات ذهبية، احتلت القمة فيها أم كلثوم وعبد الوهاب وليلى مراد وأسمهان وفريد الأطرش، وأعقب هذه الأصوات الفذة عبد الحليم حافظ وشادية وصباح ونجاة الصغيرة وفيروز وهي بدورها تعتبر معجزة، وربما كان آخر عنقود السلسلة الذهبية عفاف راضي في السبعينات من القرن الماضي بفيلم واحد هو «مولد يا دنيا»!

لذلك يعجبني إصرار مصطفى قمر وتامر حسني وحمادة هلال ومن قبلهم محمد فؤاد على تقديم أفلام غنائية، وأعتقد أن هذا الإصرار يقف وراءه استعداد معقول للوقوف أمام الكاميرا لتصوير شخصيات وأحداث درامية سينمائية، وإدراك صحيح لحقيقة أنهم سيعيشون على الشاشة ودائماً عمراً آخر وستعيش أغانيهم من خلال تلك الأفلام حياة أطول، لن تتحقق من خلال «الكاسيت» أو «الفيديو كليب»!

رأينا على المسرح أنغام وعلي الحجار في «رصاصة في القلب» وهدى عمار في «يمامة بيضا»، ورأينا أدواراً لمنى عبد الغني في السينما والدراما التلفزيونية، كانوا جميعاً موفقين ولاقوا قبولاً فضلاً عن امتلاكهم تميّز الصوت وجماله ورهافة الإحساس، لكنهم لم يمتلكوا الدأب والإصرار على المحاولة في السينما، وهذا القول نفسه يمكن أن نقوله، للأسف، بخصوص مجموعة من المغنين الرائعين المعاصرين، من عفاف راضي وماجدة الرومي، إلى كاظم الساهر وأصالة، وحتى إيمان البحر درويش، تأملنا أنه سينجز، على الأقل، دوراً في فيلم يؤدي فيه شخصية جده الموسيقار العظيم سيد درويش، وهو قادر عليه ليس لأنه حفيده بل لأنه ممثل ومغنٍّ فضلاً عن الملامح المتقاربة!

يلفت نظري في مطربي الأفلام الثلاثة الجديدة، مصطفى قمر وتامر حسني وحمادة هلال ـ بصرف النظر عن مستواها وإن كان فيلم قمر أفضلها- إصرارهم على تقديم فيلم سينمائي غنائي بانتظام كل عام، وعلى الرغم من نجاح أفلامهم أو بعضها جماهيرياً بوضوح، إلا أن أقلاماً وأصواتاً كثيرة لا تشجعهم ولا تحاول أن ترشدهم، أي تنتقدهم بالمعنى الصحيح للنقد، بل تكتفي بمحاولة «تكسير المجاديف»!

في رأينا أن أول ما ينبغي أن يلتفت إليه هؤلاء النقاد أو المنتقدين هو أن مقياس التقييم والحكم على الفيلم الغنائي يختلف عن غيره، لا يفترض في الفيلم الغنائي، على غرار الفيلم الموسيقي والأوبريت وحتى الأوبرا، وجود نصوص درامية شاهقة تحمل رؤية فكرية عميقة، بل يتم الإكتفاء فيه عادة، في العالم أجمع، بخطوط درامية بسيطة، تحمل وجهة نظر أو مفاهيم إنسانية عامة كالمفاهيم والمعاني في وصف الحب والجمال والعدل والخير.

البطل الرئيس في تلك الأعمال ليس الفكر، وإنما الغناء والموسيقى.

يختلف مقياس التقييم والحكم على الأداء التمثيلي للمغني عن غيره، فلا يفترض فيه مهارة عالية في فن التمثيل ولكن يكفي اقترابه من أداء طبيعي قدر الإمكان والتعبير بإحساس مرهف في التمثيل كتعبيره بإحساس مرهف في الغناء، مثل شادية أو عبد الحليم حافظ.

عادة، نرى في داخل كل مغنٍّ حقيقي ممثلاً حقيقياً، لأن الغناء هو التعبير الصادق عن إحساس داخلي، تعبر عنه الكلمات المصحوبة بالموسيقى الجميلة الرقيقة، بينما التمثيل هو التعبير بصدق عن إحساس داخلي أيضاً، تعبر عنه النظرة والإيماءة والحوار، الذي ترافقه في السينما صورة ولقطة جميلة معبرة.