في الأمس كدت أن أخرج إلى الشارع عاريا ومرددا: «وجدتها... وجدتها»، مقلدا بذلك عمنا أرخميدس، كدت أن أفعل ذلك لولا أني تذكرت أننا في الشتاء، وأن البرد لن يرحم عريي!

Ad

اكتفيت أن أفعل ذلك في هذه المساحة من الورق!

نعم لقد وجدت السر الذي يسرق العمر من بين أصابعنا، ويصادر أفراحنا من عرايش القلب دون أن نحس، ذلك الذي يجعلنا لا نرى، ولا نبصر، بل ويستولي على كل حواسنا، ليصبح هو المسيطر الأوحد على تفاعلنا مع الحياة بكل ما فيها.

إنه الحلم.

نعم الحلم هو ما يُفسد أمزجتنا، ويعطّل حواسنا، ويجعلنا لا نعيش كما يجب!

لذا أنصحكم يا من تسمعون صيحتي أن تُوقِفوا أحلامكم على الفور، لتستعيدوا القدرة على الفرح، أوقفوا أحلامكم الآن، لتوقفوا نزيف أعماركم، أوقفوها لتصبحوا قادرين على رؤيةٍ أفضل.

على الأقل أوقفوها حتى تنتهوا من الاستماع إليّ، وإذا لم تقتنعوا، فبإمكانكم استئناف ما كنتم تمارسونه طوال حياتكم من مضغ أحلامكم واجترارها، كجملٍ أنهكته البيداء، وجلدته بسياط الجوع والعطش! امنحوني دقائق فقط، لتروا بعدها ما أنتم فاعلون.

الحلم هو السبب الرئيسي لإصابة الفرح بالسرطان وأمراض الرئة والقلب وتصلب الشرايين.

عندما نضع في مخيّلتنا حلما ما، فإن ذلك يمنعنا من القدرة على الاستمتاع بما ترميه الحياة يوميّا بين أيدينا من مباهج صغيرة!

ولكي أوضح الفكرة أكثر، تخيّل أن لديك حلما بأن تحصل على مليون دولار، وأصبح هذا الحلم هاجس حياتك، فإنك لن تشعر بأية متعة لو حصلت على عشرة آلاف دولار مثلا، إذن فحلمك بالمليون أفسد متعة حصولك على مبلغ أقلّ، وصادر فرحتك به!

الحياة يوميا تقذف في أحضاننا العديد العديد من مُتع الحياة الصغيرة ومباهجها، لكننا لا نراها ولانستمتع بها، لأن ما يملأ أعيننا هو أحلامنا الكبيرة، والحلم من طبيعته بل وأهم خصائصه أن يكون كبيرا جدا مقارنة بالإمكانات المتاحة لواقعنا، فلو كان ضمن إمكاناتنا المتاحة لما أصبح حلما.

تخيّلوا أن العمر كائن بشري وأنه يرتدي ثوبا مليئا بالثقوب، وهذا الثوب هو ما يعبّر عما لدينا من نِعَم الحياة، ونحس بأن هذا الثوب يفضحنا ولا يليق بنا، فنفصّل ثوبا آخر خاليا من الثقوب نضعه فوق هذا الثوب، وهذا الثوب هو ما سنسمّيه بالحلم، وسنحرص على أن يسد هذا الثوب بأحكام جميع الثقوب في الثوب الذي تحته، لنظن بذلك أننا أخفينا العيوب، ولكننا في الواقع منعنا أي نسمة هواء من أن تعْبر من خلال الثقوب إلى جسد العمر، وبذلك سيتعفن العمر ويصاب بالعطب السريع.

تلفتوا يمينا وشمالا أينما كنتم تجدوا أن الحياة تمنحكم يوميا أسبابا كثيرة للمتعة، ولكن يعميكم عن رؤيتها أحلام أكبر منها بكثير.

أذكّر فقط بأن الحلم يختلف تماما عن الطموح، فالطموح هو ما نخطط من أجل الوصول إليه، ونقيس نجاح خطواتنا بمدى ما تقربنا من هذا الطموح، أما الحلم فهو آفة سكاكر الفرح الصغيرة.