الأخطاء التي تقترفها الجماعات السلفيَّة، أو أفرادها أو حتى الأفراد السلفيون المستقلون، ليست أخطاء في الفكرة السلفيَّة، إنما أخطاء في فهم هؤلاء لهذه الفكرة وفي أسلوب تطبيقهم لها وطريقتهم في التعبير عنها.أجمل ما في «السلفيَّة» أنها ليست حزبا أو جماعة بعينها، فالسلفيَّة وبعيدا عن كل ما تعلق بها أو أضيف إليها من معان ودلالات سياسية وحركية وفكرية حديثة هي فكرة سهلة تعني وبكل بساطة اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم النابع من كتاب الله، وهو المنهج الذي سار عليه أصحابه من بعده.
السلفيَّة ليست فكرة يحتكرها تيار بعينه ولا تنظيماً سياسياً واحداً لا يقبل وجود غيره، بل هي فكرة واسعة رحبة، ولذا فمن الممكن أن نجد في العصر نفسه وفي البقعة المكانية نفسها أكثر من جماعة تقول جميعها بأنها جماعات سلفيَّة.
السلفيَّة ليست جماعة سياسية بعينها كجماعة «الإخوان المسلمين» مثلا، لأن المرء إما أن يكون مع جماعة الإخوان تنظيميا، وإما ألا يكون معهم. صحيح أن هناك أنصارا كثيرين لجماعة الإخوان ممن لا ينتمون إليها تنظيميا، ولكنهم في النهاية لا يعتبرون من أفراد الجماعة، في حين أن من الممكن أن يكون المرء سلفيا ولا ينتمي إلى أي جماعة سلفيَّة معروفة.
مع إدراك هذه الجزئية، يمكن لنا أن نقول وبكل اطمئنان إن الأخطاء التي تقترفها الجماعات السلفيَّة، أو أفرادها أو حتى الأفراد السلفيون المستقلون، ليست أخطاء في الفكرة السلفيَّة، إنما أخطاء في فهم هؤلاء لهذه الفكرة وفي أسلوب تطبيقهم لها وطريقتهم في التعبير عنها. فظاظة بعض هؤلاء وتحجرهم وغلظتهم في التعامل مع شرائح الناس المختلفة ودرجات الواقع من حولهم، وانشغالهم بالجزئيات والتوافه على حساب القضايا الكبرى المرتبطة بآمال الناس وآلامهم، لا ترجع لماضوية الفكرة السلفيَّة ولا لكونها غير صالحة للعصر الحديث وللمستقبل، بل لكون هؤلاء البعض هم من فشلوا في تمثيل السلفيَّة الصحيحة وفي التعبير عنها، وأساؤوا إليها من حيث لا يشعرون، بل هم يظنون أنهم يحسنون صنعا!
خلاصة القول إن من حق أي شخص أن يقول إنه سلفيٌ، ولا يحق لأي كان أن يرفض ذلك بدعوى أنه ليس منتميا لهذه الجماعة السلفيَّة أو تلك. السلفيَّة هي فهم للدين وللحياة استنادا إلى منهاج النبي وأصحابه دون وصاية من شخص أو جماعة أو جمعية، وتقوم المحاججة في النهاية على مدى قرب هذا الفهم وبعده عن الدين الصحيح وفق ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأما السلفيَّة بمعنى أن تكون حزباً خاصّاً له مميزاته ويُضلِّل أفراده سواهم: فهؤلاء، كما قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى، ليسوا من السلفيَّة في شيء!